فواق، وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب. اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب
فهذا الكلام إذا تأمله المتأمل لم يجده متصل المعنى، ولم يتبين له مجيء ذكر داود عليه السلام ردفا لقوله تعالى: اصبر على ما يقولون
وإذا أراد أن يقدر ههنا محذوفا يوصل به المعنى عسر عليه، وتقديره يحتمل وجهين: أحدهما: أنه قال: اصبر على ما يقولون
وخوّفهم أمر معصية الله وعظّمها في عيونهم بذكر قصة داود الذي كان نبيّا من الأنبياء وقد آتاه الله ما آتاه من النبوة والملك العظيم، ثم لما زلّ زلّة قوبل بكذا وكذا، فما الظن بكم أنتم مع كفركم؟ الوجه الآخر: أنه قال: اصبر على ما يقولون
واحفظ نفسك أن تزلّ في شيء مما كلّفته من مصابرتهم واحتمال أذاهم، واذكر أخاك داود وكرامته على الله كيف زلّ تلك الزلّة فلقي من توبيخ الله ما لقي؛ فهذا الكلام كما تراه يحتاج إلى تقدير حتى يتصل بعضه ببعض، وهو من أغمض ما يأتي من المحذوفات، وبه يتنبه على مواضع أخرى غامضة.
وأما ما ورد من هذا الضرب في حذف الجمل التي ليست بمفيدة فنحو قوله تعالى: يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا. قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا. قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا. قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا. فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا. يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا
هذا الكلام قد حذف منه جملة دلّ عليها صدره، وهو البشرى بالغلام، وتقديرها: ولما جاءه الغلام ونشأ وترعرع قلنا له: يا يحيى خذ الكتاب بقوّة، فالجملة المحذوفة ليس من الجمل المفيدة.
على هذا النهج ورد قوله تعالى: ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى. قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري