للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبصرة، ولم تكن عمياء، وإنما يريد آية مبصرة، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه.

ولقد تأملت حذف الموصوف في مواضع كثيرة فوجدت أكثر وقوعه في النداء وفي المصدر؛ أما النداء فكقولهم: يا أيّها الظّريف، تقديره: يا أيها الرجل الظريف، وعليه ورد قوله تعالى: يا أيها الساحر

تقديره: يا أيها الرجل الساحر، وكذلك قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا*

تقديره: يا أيها القوم الذين آمنوا، وأما المصدر فكقوله تعالى: ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا

تقديره:

ومن تاب وعمل عملا صالحا.

وقد أقيمت الصفة الشبيهة بالجملة مقام الموصوف المبتدأ في قوله تعالى:

وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك

أي: قوم دون ذلك.

وأما حذف الصفة وإقامة الموصوف مقامها، فإنه أقلّ وجودا من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، ولا يكاد يقع في الكلام إلا نادرا؛ لمكان استبهامه.

فمن ذلك ما حكاه سيبويه رحمه الله من قولهم: سير عليه ليل، وهم يريدون ليل طويل، وإنما حذفت الصفة في هذا الموضع لما دلّ من الحال عليه، وذاك أنه يحسن في كلام القائل لذلك من التطريح والتطويح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقام قوله: طويل، وأنت تحس هذا من نفسك إذا تأملته، وهو أن يكون في مدح إنسان والثناء عليه فتقول: «كان والله رجلا» أي رجلا فاضلا، أو شجاعا، أو كريما، أو ما جرى هذا المجرى من الصفات، وكذلك تقول: «سألناه فوجدناه إنسانا» أي إنسانا سمحا، أو جوادا، أو ما أشبهه، فعلى هذا ونحوه تحذف الصفة، فأما إن عريت عن الدلالة عليها من اللفظ أو الحال فإن حذفها لا يجوز.

وقد تأملت حذفها فوجدته لا يسوغ إلا في صفة تقدمها ما يدل عليها، أو تأخر عنها، أو فهم ذلك من شيء خارج عنها:

أما الصفة التي تقدمها ما يدل عليها فقوله تعالى: أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا

<<  <  ج: ص:  >  >>