صدقا من كذب، وجدا من لعب، وفعلهن هذا من الغش الذي نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنه، وقال: إنه ليس منه، وقد لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والواشرة والمستوشرة، ومن غشّ المنكرات أيضا خضاب الشّيب الذي يخالف فيه الظاهر الباطن، ويتخلّق صاحبه بخلق الكاذب الخائن، وهب أنه أخفى لون شعره وهل يخفي أخلاق لباسه، وإذا استسنّ ملائم المرء فلا يغنيه سواد عارضه ولا سواد رأسه، وقد جعل الله الشيب من نعمه المبشرة بطول الأعمار، وسماه نورا للونه وهدايته ولا تستوي الظلمات والأنوار، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم «١» الشيب أن يشتغل بتغيير صيغة الكتاب، ويدأب في محو سواد العقاب ببياض الثواب، ففي بقية عمره مندوحة لادخار ما يحمد ذخره، وتبديل ما تقدم سطره.
ومما خولفت فيه السنة عقد مجالس التعازي لحضور الناس، وإظهار شعار الأسود والأزرق من اللباس، والتشبيه بالجاهلية في النوح والندب، ومجاوزة دمع العين وخشوع القلب إلى الإعلان بإسخاط الرب، وقد تواطأ النساء على ضرب الخيام على القبور، وجعل الأعياد مواسم لاجتماع الزائر والمزور، فصارت المآتم بينهم ولائم والمنادب عندهم مآدب، وربما نشأ من ذلك ما يغض طرفا، ويجدع أنفا، ويوجب حدا وقذفا.
وهكذا أهمل أمر الإسلام في تشبيه أهل الذمة بأهله، وما كانوا ليشابهوه في زي غرته ويخالفوه في سلوك سبله، ولا بد من الغيار بأن يشدّ النصراني عقدة زناره، ويصفّر اليهودي أعلى إزاره، وليمنعوا من الظاهر بطغيان النعمة وعلو الهمة، ويؤمروا بالوقوف عند ما حكم عليهم من الأحكام، وأخذوا فيه بالاختفاء والاكتتام، فخمورهم تستر، وشعائر دينهم لا تظهر، وموتاهم تقبر بالخمول قبل أن تقبر؛ فلا يوقد خلف ميتهم مصباح، ولا يتبع بندب ولا صياح.