للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما عرف الناس منكره إثارة التحريش بين الحيوانات، وهي ذوات أكباد رطبة، وأخلاق صعبة، وما منها إلا ما يحل أكله، ولا يحل قتله، كالكبش والحجلة والديك والسماني وما أشبهها، وقد أكثر الناس من اقتنائها، والمواظبة على إضرام شحنائها، ولربما نشأ من ذلك فتنة تؤل إلى ضراب، وشق ثياب، وإحداث شجاج، وإثارة عجاج، وتحزب إلى أحزاب كثيرة وأفواج.

ويتصل بهذه المنكرات المذكورة أشياء أخرى تجري مجراها في التقديم، وتتنزل منزلتها في التحريم، فاحكم فيها بحكمك، وامض في شبهاتها بدليل علمك، ونب عنا في التذكير والتحذير، والتعريف والتنكير، حتى يتقوّم الأود، ويتضح الرشد، ويمكث في الأرض ما ينفع ويذهب الزّبد، وليكن عملك لله الذي يسمع ويرى، وله ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.

واعلم أن الأمر بالمعروف عبادة يتعدى نفع صاحبها إلى غيره، وتستضيف خير المأمور بها إلى خيره، وهي الجهاد الأكبر الذي تقاتل فيه عواصي النفوس، وتضرب به رءوس الشهوات التي هي أمنع من معاقد الرءوس، فقتيله يحيا بقتله، وجريحه يوسي بجراحة نصله، وبمثل هذا الجهاد تستنزل أمداد النعم مضعفة، كما تستنزل أمداد النصر مردفة، فأقدم عليه ذا عزم باتر، وطرف ساهر، وقدم ثابت صابر، حتى تظل لمعاقل الشيطان فاتحا، وتكون فيمن دعا إلى الله وعمل صالحا.

واعلم أنك في صبيحة كل يوم يبتدرك الملك والشيطان، وكل منهما يقول:

يأيها الإنسان، فإن أجبت نداء الملك كتبك في زمرة من مهد لجنبه، وخاف مقام ربه، وعرج بك ألى الله طيبا نشره، مضاعفا أجره، وإن أجبت نداء الشيطان كتبك في زمرة من أغواه، وقرنك بمن أغفل الله قلبه واتبع هواه، ثم نزل به إلى الأرض خبيثا مخبثا، وأقبل به على إخوانه من الشياطين محدثا.

وهذا آخر ما عهدناه إليك من العهد الذي طوقت اليوم بكتابه، وستناقش غدا على حسابه، وكما جعلناه لك في الدنيا ذكرا، فاجعله لك في الآخرة ذخرا، إن شاء الله تعالى؛ والسلام.

وهذا الذي ذكرته في هذين من الكتاب والتقليد يتضمن إطنابا مستوفى

<<  <  ج: ص:  >  >>