الأقسام، ولولا خوف الإطالة التي لا حاجة إليها لأوردت قصائد من الشعر أيضا، حتى لا يخلو الموضع من ضرب أمثلة من المنظوم والمنثور، لكن في الذي ذكرته كفاية لمن يحمله على أشباهه ونظائره.
فإن قيل: إن الإطناب في الكلام وضعتموه اسما على غير مسمى؛ فإن الكلام لا يخلو من حالين: إما ألّا يزيد لفظه على معناه، وهو الإيجاز، أو يزيد لفظه على معناه، وهو التطويل، وليس ههنا قسم ثالث، فما الإطناب إذا؟
قلت في الجواب: اعلم أن الإيجاز هو ضد التطويل، كما أن السواد ضد البياض، غير أن بين الضدين مراتب ومنازل ليست أضدادا؛ فالإطناب لا إيجاز هو ولا تطويل، كما أن الحمرة أو الخضرة ليست بياضا ولا سوادا، وقد قدمنا القول أن الإطناب يأتي في الكلام مؤكدا كالذي يأتي بزيادة التصوير للمعنى المقصود إما حقيقة وإما مجازا، والتطويل ليس كذلك؛ فإنه التعبير عن المعنى بلفظ زائد عليه يفهم ذلك المعنى بدونه، فإذا حذفت تلك الزيادة بقي المعنى المعبر عنه على حاله لم يتغير منه شيء، وهذا بخلاف الإطناب، فإنه إذا حذفت منه تلك الزيادة المؤكدة للمعنى تغير ذلك المعنى وزال ذلك التأكيد عنه، وذهبت فائدة التصوير والتخييل التي تفيد السامع ما لم يكن إلا بها، ألا ترى إلى قوله تعالى: فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور
وهذا لا يسمى إيجازا؛ لأنه أتى فيه بزيادة لفظ، وهو ذكر الصدور، وقد علم أن القلوب لا تكون إلا في الصدور، ولا يسمى تطويلا؛ لأن التطويل لا فائدة فيه أصلا، وهذا فيه فائدة، وهي ما أشرنا إليه، وكذلك باقي أقسام الإطناب التي نبهناه عليها، وهذا لا نزاع فيه.