وقد زعم قوم من مدعي هذه الصناعة أن أبا الطيب المتنبي أتى في هذا البيت بتكرير لا حاجة به إليه، وهو قوله «١» :
العارض الهتن ابن العارض الهتن اب ... ن العارض الهتن ابن العارض الهتن
وليس في هذا البيت من تكرير؛ فإنه كقولك: الموصوف بكذا وكذا ابن الموصوف بكذا وكذا: أي أنه عريق النسب في هذا الوصف.
وقد ورد في الحديث النبوي مثل ذلك؛ كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم في وصف يوسف الصديق عليه السلام:«الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم» .
ولقد فاوضني في هذا البيت المشار إليه بعض علماء الأدب، وأخذ يطعن فيه من جهة تكراره، فوقفته على مواضع الصواب منه، وعرفته أنه كالخبر النبوي من جهة المعنى سواء بسواء، لكن لفظه ليس بمرضيّ على هذا الوجه الذي قد استعمل فيه؛ فإنّ الألفاظ إذا كانت حسانا في حال انفرادها فإن استعمالها في حال التركيب يزيدها حسنا على حسنها، أو يذهب ذلك الحسن عنها، وقد تقدم الكلام على ذلك في المقالة الأولى من الصناعة اللفظية، ولو تهيأ لأبي الطيب المتنبي أن يبدل لفظة العارض بلفظة السحاب، أو ما يجري مجراها؛ لكان أحسن، وكذلك لفظة الهتن، فإنها ليست بمرضية في هذا الموضع على هذا الوجه، ولفظة العارض، وإن كانت قد وردت في القرآن وهي لفظة حسنة فالفرق بين ورودها في القرآن الكريم وورودها في هذا البيت الشعري ظاهر؛ وقد تقدم الكلام على مثلها من آية وبيت لأبي الطيب أيضا، وهو في المقالة اللفظية عند الكلام على الألفاظ المفردة فليؤخذ من هناك، وكثيرا ما يقع الجهال في مثل هذه المواضع، وهم الذين قيل فيهم: