فترى أحدهم قد جمع نفسه وظنّ على جهله أنه عالم، فيسرع في وصف كلام بالإيجاز وكلام بالتطويل أو بالتكرير، وإذا طولب بأن يبدي سببا لما ذكره لم يوجد عنده من القول شيء إلا تحكما محضا صادرا عن جهل محض.
الضرب الثاني من التكرير في اللفظ والمعنى، وهو غير المفيد؛ فمن ذلك قول مروان الأصغر:
سقى الله نجدا والسّلام على نجد ... ويا حبّذا نجد على النّأي والبعد
نظرت إلى نجد وبغداد دونها ... لعلّي أرى نجدا وهيهات من نجد
وهذا من العيّ الضعيف، فإنه كرر ذكر نجد في البيت الأول ثلاثا، وفي البيت الثاني ثلاثا، ومراده في الأول الثناء على نجد، وفي الثاني أنه تلفت إليها ناظرا من بغداد، وذلك مرمى بعيد، وهذا المعنى لا يحتاج إلى مثل هذا التكرير؛ أما البيت الأول فيحمل على الجائز من التكرير؛ لأنه مقام تشوق وتحرق وموجدة بفراق نجد، ولما كان كذلك أجيز فيه التكرير، على أنه قد كان يمكنه أن يصوغ هذا المعنى الوارد في البيتين معا من غير أن يأتي بهذا التكرير المتتابع ست مرات.
وعلى هذا الأسلوب ورد قول أبي نواس:
أقمنا بها يوما ويوما وثالثا ... ويوما له يوم التّرحّل خامس
ومراده من ذلك أنهم أقاموا بها أربعة أيام، ويا عجبا له يأتي بمثل هذا البيت السخيف الدال على العيّ الفاحش في ضمن تلك الأبيات «١» العجيبة الحسن التي تقدم ذكرها في باب الإيجاز، وهي: