الصوم بمكة في نصب وتعب بتصريف زمانه في السعي والطواف والصلاة والعمرة وغير ذلك.
قلت في الجواب: هذا لا يلزم؛ إذ الواجب عليه سعي واحد، وطواف واحد، لا غير، وما عدا ذلك نافلة لا يلزم، ونحن في هذا المقام ناظرون إلى ما يجب لا إلى النافلة، والذي يجب أداؤه بمكة يفرغ منه في ساعة واحدة، فكيف تجعل الزيادة على ذلك دليلا يورد في هذا المقام؟ هذا غير وارد.
هكذا ورد قوله تعالى: فإذا نقر في الناقور. فذلك يومئذ يوم عسير. على الكافرين غير يسير
فقوله غير يسير
بعد قوله عسير
من هذا النوع المشار إليه، وإلا فقد علم أن العسير لا يكون يسيرا، وإنما ذكر ههنا على هذا الوجه لتعظيم شأن ذلك اليوم في عسره وشدّته على الكافرين.
وكذلك ورد قوله تعالى: قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآوا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده
فإن البغضاء والعداوة بمعنى واحد، وإنما حسن إيرادهما معا في معرض واحد لتأكيد البراءة بين إبراهيم صلوات الله عليه والذين آمنوا به وبين الكفار من قومهم؛ حيث لم يؤمنوا بالله وحده، وللمبالغة في إظهار القطيعة والمصارمة.
وورود مثل ذلك في مثل هذا الموضع كالإيجاز في موضعه، ولن ترى شيئا يرد في القرآن الكريم من هذا القبيل إلا وهو لأمر اقتضاه؛ وإن خفي عنك موضع السر فيه فاسأل عنه أهله العارفين به.