للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال هشام: ولم ذلك؟ قال:

إنّه قد رام منّي خطّة ... لم يرمها قبله منّي أحد

قال: ما هي؟ قال:

راح جهلا بي وجهلا بأبي ... يدخل الأفعى على حبس الأسد

قال: فضحك هشام، وقال: لو فعلت به شيئا لم أنكره عليك.

ومن ألطف ما سمعته في هذا الباب قول أبي نواس في الهجاء:

إذا ما كنت جار أبي حسين ... فنم ويداك في طرف السّلاح

فإنّ له نساء سارقات ... - إذا ما بتن أطراف- الرّماح

سرقن وقد نزلت عليه أيري ... فلم أظفر به حتّى الصّباح

فجاء وقد تخدّش جانباه ... يئنّ إليّ من ألم الجراح

فتعبيره عن العضو المشار إليه بأطراف الرماح تعبير في غاية اللطافة والحسن.

وقد أدخل في باب الكناية ما ليس منه، كقول نصيب:

فعاجوا فأثنوا بالّذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب

وهذا يروى عن الجاحظ، وما أعلم كيف ذهب عليه مع شهرته بالمعرفة بفن الفصاحة والبلاغة؛ فإن الكناية هي ما جاز حمله على جانب الحقيقة كما يجوز حمله على جانب المجاز، وههنا لا يصح ذلك، ولا يستقيم؛ لأن الثناء للحقائب لا يكون إلا مجازا، وهذا من باب التشبيه المضمر الأداة الخارج عن الكناية، والمراد به أن في الحقائب من عطاياك ما يعرب عن الثناء لو سكت أصحابها عنه «١» .

وأما القسم المختص بما يقبح ذكره من الكناية، فإنه لا يحسن استعماله؛ لأنه عيب في الكلام فاحش، وذلك لعدم الفائدة المرادة من الكناية فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>