للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين

فقوله: ما نراك إلا بشرا مثلنا

تعريض بأنهم أحقّ بالنبوة منه، وأن الله لو أراد أن يجعلها في أحد من البشر لجعلها فيهم، فقالوا: هب أنك واحد من الملأ ومواز لهم في المنزلة فما جعلك أحق منهم بها؟ ألا ترى إلى قولهم: وما نرى لكم علينا من فضل.

وكان مروان بن الحكم واليا على المدينة من قبل معاوية فعزله؛ فلما قدم عليه قال له: عزلتك لثلاث لو لم تكن إلا واحدة منهن لأوجبت عزلك: إحداهن أني أمّرتك على عبد الله بن عامر وبينكما ما بينكما فلم تستطع أن تشتفي منه، والثانية كراهتك أمر زياد، والثالثة أن ابنتي رملة استعدتك على زوجها عمر بن عثمان فلم تعدها؛ فقال له مروان: أما عبد الله بن عامر فإني لا أنتصر منه في سلطاني، ولكن إذا تساوت الأقدام علم أين موضعه، وأما كراهتي أمر زياد فإن سائر بني أمية كرهوه، وأما استعداء رملة على عمر بن عثمان فو الله إنه لتأتي على سنة وأكثر وعندي بنت عثمان فما أكشف لها ثوبا، يريد بذلك أن رملة بنت معاوية إنما استعدت لطلب الجماع، فقال له معاوية: يا ابن الوزغ لست هناك، فقال له مروان:

هو ذاك؛ وهذا من التعريضات اللطيفة.

ومثله في اللطافة ما يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذاك أنه كان يخطب يوم جمعة، فدخل عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقال عمر: أيّة ساعة هذه؟ فقال عثمان: يا أمير المؤمنين، انقلبت من أمر السوق فسمعت النداء، فما زدت على أن توضأت، فقال عمر: والوضوء أيضا، وقد علمت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يأمرنا بالغسل؛ فقوله «أية ساعة هذه» تعريض بالإنكار عليه لتأخره عن المجيء إلى الصلاة وترك السبق إليها؛ وهو من التعريض المعرب عن الأدب.

ووقفت في كتاب العقد على حكاية نعريضية حسنة الموقع، وهي أن امرأة وقفت على قيس بن عبادة؛ فقالت، أشكو إليك قلة الفأر في بيتي؛ فقال: ما أحسن ما ورّت عن حاجتها، املئوا لها بيتها خبزا وسمنا ولحما.

ومن خفي التعريض وغامضه ما ورد في الحديث النبوي، وهو أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج

<<  <  ج: ص:  >  >>