للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك ورد قول بعض العراقيين يهجو رجلا كان على مذهب أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ثم انتقل إلى مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي رضي الله عنه:

من مبلغ عنّي الوجيه رسالة ... وإن كان لا تجدي لديه الرسائل

تمذهبت للنّعمان بعد ابن حنبل ... وفارقته إذ أعوزتك المآكل

وما اخترت رأي الشّافعيّ تديّنا ... ولكنّما تهوى الّذي منه حاصل

وعمّا قليل أنت لا شكّ صائر ... إلى مالك فافطن لما أنا قائل

ومالك: هو مالك ابن أنس صاحب المذهب رضي الله عنه، ومالك: هو خازن النار، وهذه مغالطة لطيفة.

ومن أحسن ما سمعته في هذا الباب قول أبي العلاء بن سليمان في الإبل:

صلب العصا بالضّرب قد دمّاها ... تودّ أنّ الله قد أفناها

إذا أرادت رشدا أغواها ... محاله من رقه إياها

فالضرب: لفظ مشترك؛ يطلق على الضرب بالعصا، وعلى الضّرب في الأرض، وهو المسير فيها، وكذلك دمّاها فإنه لفظ مشترك يطلق على شيئين: أحدهما يقال:

دماه؛ إذا أسال دمه، ودماه؛ إذا جعله كالدّمية، وهي الصورة، وهكذا لفظ الفناء فإنه يطلق على عنب الثّعلب، وعلى إذهاب الشيء إذا لم يبق منه بقية، يقال:

أفناه؛ إذا أذهبه، وأفناه؛ إذا أطعمه الفناء، وهو عنب الثعلب، والرشد والغوى:

نبتان، يقال: أغواه؛ إذا أضلّه، وأغواه؛ إذا أطعمه الغوى، ويقال: طلب رشدا؛ إذا طلب ذلك النبت، وطلب رشدا؛ إذا طلب الهداية، وبعض الناس يظن هذه الأبيات من باب اللغز، وليس كذلك؛ لأنها تشتمل على ألفاظ مشتركة، وذلك معنى ظاهر يستخرج من دلالة اللفظ عليه، واللغز: هو الذي يستخرج من طريق الحزر والحدس، لا من دلالة اللفظ عليه، وسأوضح ذلك إيضاحا جليّا في النوع الحادي والعشرين، وهو الذي يتلو هذا النوع؛ فليؤخذ من هناك.

<<  <  ج: ص:  >  >>