للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويروى في الأخبار الواردة في غزاة بدر أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان سائرا بأصحابه يقصد بدرا، فلقيهم رجل من العرب، فقال: ممّن القوم؟ فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من ماء» ، فأخذ ذلك الرجل يفكر ويقول: من ماء، من ماء؛ لينظر أيّ بطون العرب يقال لها ماء، فسار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لوجهته، وكان قصده أن يكتم أمره، وهذا من المغالطة المثلية؛ لأنه يجوز أن يكون بعض بطون العرب يسمى ماء، ويجوز أن يكون المراد أن خلقهم من ماء.

وقد جاءني شيء من ذلك من الكلام المنثور.

فمنه ما كتبته في فصل من كتاب عند دخولي إلى بلاد الروم أصف فيه البرد والثلج؛ فقلت: ومن صفات هذا البرد أنه يعقد الدر في خلفه، والدمع في طرفه، وربما تعدّى إلى قليب الخاطر فأجفّه أن يجري بوصفه؛ فالشمس مأسورة، والنار مقرورة، والأرض شهباء غير أنها حولية لم ترض، ومسيلات الجبال أنهار غير أنها جامدة لم تخض.

ومكان المغالطة من هذا الكلام في قولي: «والأرض شهباء غير أنها حولية لم ترض» فإن الشهباء من الخيل يقال فيها حولية: أي لها حول، ويقال: إنها مروضة:

أي ذلّلت للركوب، وهذه الأرض مضى للثلج عليها حول فهي شهباء حولية؛ وقولي: «لم ترض» أي لم تسلك بعد.

ومن ذلك ما ذكرته في وصف كريم؛ فقلت: ولقد نزلت منه بمهلّبّي الصّنع، أحنفي الأخلاق، ولقيته فكأني لم أرع ممّن أحبّ بلوعة الفراق، ولا كرامة للأهل والوطن حتى أقول إني قد استبدلت به أهلا ووطنا، وعهدي بالأيام وهي من الإحسان فاطمة فاستولدتها بجواره حسنا.

وهذه تورية لطيفة فإن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والحسن رضي الله عنهما ولدها، وفاطمة: هي اسم فاعلة من الفطام، يقال: فطمت فهي فاطمة، كما يقال:

فطم فهو فاطم، والحسن: هو الشيء الحسن.

ومن هذا الأسلوب ما كتبته في فصل من كتاب إلى بعض الإخوان، فقلت:

<<  <  ج: ص:  >  >>