للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هلك، فأفكر وهو يكتب في إشارة عمياء لا تفهم؛ ليضعها فيه يحذر بها ابن منقذ، فأدّاه فكره أن كتب في آخر الكتاب عند إنهائه «إن شاء الله تعالى» ، وشدد إن وكسرها، ثم سلم الكتاب إلى ابن صالح، فوقف عليه، وأرسله إلى ابن منقذ، فلما صار في يده وعلم ما فيه قال: هذا كتاب صديقي، وما يغشّني، ولولا أنه يعلم صفاء قلب ابن صالح لي لما كتب إليّ ولا غرّني، ثم عزم على العود، وكان عنده ولده، فأخذ الكتاب وكرّر نظره فيه، ثم قال له: يا أبت، مكانك، فإن صديقك قد حذّرك، وقال: لا تعد، فقال: وكيف؟ قال: إنه قد كتب إن شاء الله تعالى في آخر الكتاب، وشدّد إن وكسرها، وضبطها ضبطا صحيحا لا يصدر مثله عن سهو، ومعنى ذلك أنه يقول: إنّ الملا يأتمرون بك ليقتلوك، وإن شككت في ذلك فأرسل إلى حلب.

وهذا من أعجب ما بلغني من حدّة الذهن وفطانة الخاطر، ولولا أنه صاحب الحادثة المخوفة لما تفطّن إلى مثل ذلك أبدا؛ لأنه ضرب من علم الغيب، وإنما الخوف دلّه على استنباط ما استنبطه.

ووجد لبعض الأدباء لغز في حمّام؛ فمنه ما أجاد فيه؛ كقوله: وقد أظلّتها سماء ذات نجوم، لا استراق لها ولا رجوم، وهي مركبة في فلك صحت استدارته، وسكنت إدارته:

أعجب بها من أنجم ... عند الصّباح ظاهره

لكنّها إذا بدا ... نجم الظّلام غائره

فهي على القياس جنة نعيم، مبنية على لظى جحيم، لا خلود فيها ولا مقام، ولا تزاور بين أهلها ولا سلام، أنهارها متدفقة، ومياهها مترقرقة، والأكواب بها موضوعة، والنمارق عنها منزوعة:

يطيع بها المولى أوامر عبده ... ويصبح طوعا في يديه مقاتله

ويرفع عنه التّاج عند دخوله ... وتسلب من قبل الجلوس غلائله

<<  <  ج: ص:  >  >>