للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العالمين، الملك الحقّ المبين، الوحيد الفريد، العلي المجيد، الذي لا يوصف إلا بسلب الصفات، ولا ينعت إلا برفع النعوت، الأزلي بلا ابتداء، الأبدي بلا انتهاء، القديم لا منذ أمد محدود، الدائم لا إلى أجل معدود، الفاعل لا من مادة استمدّها، ولا بآلة استعملها، الذي لا تدركه الأعين بلحاظها، ولا تحدّه الألسن بألفاظها، ولا تخلقه العصور بمرورها، ولا تهرمه الدهور بكرورها، ولا تضارعه الأجسام بأقطارها، ولا تجانسه الصور بأعراضها، ولا تجاريه أقدام النظر أو الأشكال، ولا تزاحمه مناكب القرناء والأمثال، بل هو الصّمد الذي لا كفء له، والفذّ الذي لا توأم معه، والحي الذي لا تخرمه المنون، والقيوم الذي لا تشغله الشئون، والقدير الذي لا تئوده المعضلات، والخبير الذي لا تعييه المشكلات.

وهذه التحميدة لا تناسب الكتاب الذي افتتح بها، ولكنها تصلح أن توضع في صدر مصنّف من مصنفات أصول الدين، ككتاب الشامل للجويني، أو كتاب الاقتصاد، أو ما جرى مجراهما، وأما أن توضع في صدر كتاب فتح فلا.

وهو وإن أساء في هذا الموضع فقد أحسن في مواضع أخر، وذاك أنه كتب كتابا عن الخليفة الطائع رحمه الله تعالى إلى الأطراف عند عوده إلى كرسي ملكه، وزوال ما نزل به وبأبيه المطيع رحمه الله من فادحة الأتراك؛ فقال «١» : الحمد لله ناظم الشمل بعد شتاته، وواصل الحبل بعد بتاته، وجابر الوهن إذا ثلم «٢» ، وكاشف الخطب إذا أظلم، والقاضي للمسلمين بما يضمّ نشرهم، ويشدّ أزرهم، ويصلح ذات بينهم «٣» ، ويحفظ الألفة عليهم، وإن شابت ذلك في الأحيان شوائب من الحدثان فلن يتجاوز «٤» بهم الحد الذي يوقظ غافلهم، وينبّه ذاهلهم، ثم إنهم عائدون إلى فضل «٥» ما أولاهم الله وعوّدهم، ووثّق لهم ووعدهم، من إيمان

<<  <  ج: ص:  >  >>