أن يقول كلمة واحدة، وهو أقلف اللسان «١» ، يسيء العبارة، فسألته عن زيارة شخص وهل يتردد إليه أم لا، فقال: ظلام الليل يهديني إلى باب من أودّه، وضوء النهار يضلّ بي عن باب من لا أوده، وهذا من ألطف المعاني وأحسنها، وهو من الحكمة المطلوبة.
وكنت قصدت زيارة بعض الإخوان من الأجناد وهو من الأغتام «٢» الأعجام، فسألته عن حاله، وكان توالت عليه نكبات طالت أيامها، وعظمت آلامها، فقال لي في الجواب ما معناه: إنه لم يبق عندي ارتياع لوقوع نائبة من النوائب؛ وهذا معنى لو أتى به شاعر مفلق، أو كاتب بليغ؛ لاستحسن منه غاية الاستحسان.
وكنت في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة بأرض فلسطين في الجيش الذي كان قبالة العدو الكافر من الفرنج لعنهم الله، وتقابل الفريقان على مدينة يافا، وكان إلى جانبي ثلاثة فرسان من المسلمين، فتعاقدوا على الحملة إلى نحو العدو، فلما حملوا صدق منهم اثنان وتلكأ واحد، فقيل له في ذلك، فقال: الموت طعام لا تجشّه المعدة «٣» فلما سمعت هذه الكلمة استحسنتها، وإذا هي صادرة عن رجل من أهل بصرى فدم من الأفدام «٤» .
ولو أخذت في ذكر ما سمعته من هذا لأطلت، وإنما دللت بيسير ما ذكرته على المراد، وهو أنه يجب على المتصدّي للشعر والخطابة أن يتتبع أقوال الناس