للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الوجه الوضعي: فهو أن المرجع في هذا وما يجري مجراه إلى أصل اللغة التي هي وضع الأسماء على المسميات، ولم يوجد فيها أن الوجه المليح يسمى شمسا، ولا أن الرجل الجواد يسمى بحرا، وإنما أهل الخطابة والشعر توسعوا في الأساليب المعنوية، فنقلوا الحقيقة إلى المجاز، ولم يكن ذلك من واضع اللغة في أصل الوضع، ولهذا اختص كل منهم بشيء اخترعه في التوسعات المجازية.

هذا امرؤ القيس قد اخترع شيئا لم يكن قبله؛ فمن ذلك أنه أول من عبّر عن الفرس بقوله: «قيد الأوابد» «١» ولم يسمع ذلك لأحد من قبله.

وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال يوم حنين: «الآن حمي الوطيس» وأراد بذلك شدة الحرب؛ فإن الوطيس في أصل الوضع هو التّنّور، فنقل إلى الحرب استعارة، ولم يسمع هذا اللفظ على هذا الوجه من غير النبي صلّى الله عليه وسلّم.

وواضع اللغة ما ذكر شيئا من ذلك؛ فعلمنا حينئذ أن من اللغة حقيقة بوضعه، ومجازا بتوسعات أهل الخطابة والشعر.

وفي زماننا هذا قد يخترعون أشياء من المجاز على حكم الاستعارة لم تكن من قبل، ولو كان هذا موقوفا من جهة واضع اللغة لما اخترعه أحد من بعده، ولا زيد فيه، ولا نقص منه.

وأما الفرق بينه وبين الحقيقة فهو أن الحقيقة جارية على العموم في نظائر؛ ألا ترى أنا إذا قلنا: «فلان عالم» صدق على كل ذي علم، بخلاف وسئل القرية

لأنه لا يصح إلا في بعض الجمادات دون بعض؛ إذ المراد أهل القرية،

<<  <  ج: ص:  >  >>