لو قلت للدّنف المشوق فديته ... ممّا به لأغرته بفدائه «١»
وقول أبي الطيب أدق معنى، وإن كان قول ابن الخياط أرق لفظا، ثم إني وقفتهم على مواضع كثيرة من شعر ابن الخياط قد أخذها من شعر المتنبي.
وسافرت الى الديار المصرية في سنة ست وتسعين فوجدت أهلها يعجبون ببيت من الشعر يعزونه إلى شاعر من أهل اليمن يقال له عمارة، وكان حديث عهد بزماننا هذا في آخر الدولة العلوية بمصر، وذلك البيت من جملة قصيدة له يمدح بها بعض خلفائها عند قدومه عليه من اليمن، وهو «٢» :
فهل درى البيت أنّي بعد فرقته ... ما سرت من حرم إلّا إلى حرم
فقلت لهم: هذا البيت مأخوذ من شعر أبي تمام في قوله مادحا لبعض الخلفاء في حجة حجها، وذلك بيت من جملة أبيات حسنة:
يا من رأى حرما يسري إلى حرم ... طوبى لمستلم يأتي وملتزم
ثم قلت في نفسي: بالله العجب! ليس أبو تمام وأبو الطيب من الشعراء الذين درست أشعارهم، ولا هما ممن لم يعرف ولا اشتهر أمره، بل هما كما يقال: أشهر من الشمس والقمر، وشعرهما دائر في أيدي الناس، بخلاف غيرهما، فكيف خفي على أهل مصر ودمشق بيتا ابن الخياط وعمارة المأخوذان من شعرهما؟