أريد بذلك أن تكون ألفاظا غريبة؛ فإن ذلك عيب فاحش، بل أريد أن تكون الألفاظ المستعملة مسبوكة سبكا غريبا، يظن السامع أنها غير ما في أيدي الناس، وهي مما في أيدي الناس، وهناك معترك الفصاحة التي تظهر فيه الخواطر براعتها، والأقلام شجاعتها، كما قال البحتري:
باللّفظ يقرب فهمه في بعده ... عنّا ويبعد نيله في قربه «١»
وهذا الموضع بعيد المنال، كثير الإشكال، يحتاج إلى لطف ذوق وشهامة خاطر، وهو شبيه بالشيء الذي يقال: إنه لا داخل العالم ولا خارج العالم، فلفظه هو الذي يستعمل، وليس بالذي يستعمل: أي أن مفردات ألفاظه هي المستعملة المألوفة، ولكن سبكه وتركيبه هو الغريب العجيب.
وإذا سموت أيها الكاتب إلى هذه الدرجة، واستطعمت طعم هذا الكلام المشار إليه؛ علمت حينئذ أنه كالروح الساكنة في بدنك التي قال الله فيها: قل الروح من أمر ربي
وليس كل خاطر براق إلى هذه الدرجة، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
ومع هذا فلا تظن أيها الناظر في كتابي أني أردت بهذا القول إهمال جانب المعاني، بحيث يؤتى باللفظ الموصوف بصفات الحسن والملاحة ولا تكون تحته من المعنى ما يماثله ويساويه، فإنه إذا كان كذلك كان كصورة حسنة بديعة في حسنها إلا أن صاحبها بليد أبله، والمراد أن تكون هذه الألفاظ المشار إليها جسما لمعنى شريف، على أن تحصيل المعاني الشريفة على الوجه الذي أشرت إليه أيسر من تحصيل الألفاظ المشار إليها.
ويحكى عن المبرد رحمه الله تعالى أنه قال: ليس أحد في زماني إلا وهو يسألني عن مشكل من معاني القرآن، أو مشكل من معاني الحديث النبوي، أو غير