ذلك من مشكلات علم العربية، فأنا إمام الناس في زماني هذا، وإذا عرضت لي حاجة إلى بعض إخواني وأردت أن أكتب إليه شيئا في أمرها أحجم عن ذلك؛ لأني أرتّب المعنى ثم أحاول أن أصوغه بألفاظ مرضية فلا أستطيع ذلك.
ولقد صدق في قوله هذا، وأنصف غاية الإنصاف.
ولقد رأيت كثيرا من الجهال الذين هم من السوقة أرباب الحرف والصنائع، وما منهم إلا من يقع له المعنى الشريف، ويظهر من خاطره المعنى الدقيق، ولكنه لا يحسن أن يزاوج بين لفظتين.
فالعبارة عن المعاني هي التي تخلب بها العقول، وعلى هذا فالناس كلهم مشتركون في استخراج المعاني؛ فإنه لا يمنع الجاهل الذي لا يعرف علما من العلوم أن يكون ذكيا بالفطرة، واستخراج المعاني إنما هو بالذكاء لا بتعلّم العلم.
وبلغني أن قوما ببغداد من رعاع العامة يطوفون بالليل في شهر رمضان على الحارات، وينادون بالسحور، ويخرجون ذلك في كلام موزون على هيئة الشعر وإن لم يكن من بحار الشعر المنقولة عن العرب، وسمعت شيئا منه فوجدت فيه معاني حسنة مليحة، ومعاني غريبة، وإن لم تكن الألفاظ التي صيغت به فصيحة «١» .
وهذا الركن أيضا يشترك فيه الكاتب والشاعر.
الركن الخامس: أن لا يخلو الكتاب من معنى من معاني القرآن الكريم والأخبار النبوية؛ فإنها معدن الفصاحة والبلاغة، وإيراد ذلك على الوجه الذي أشرت إليه في الفصل الذي يلي هذا الفصل من حلّ معاني القرآن الكريم والأخبار النبوية أحسن من إيراده على وجه التضمين، وتوخّي ذلك في كل كتاب عسر جدا، وأنا انفردت بذلك دون غيري من الكتاب، فإني استعملته في كل كتاب، حتى إنه ليأتي في الكتاب الواحد في عدة مواضع منه، ولقد أنشأت تقليدا لبعض الملوك مما يكتب من ديوان الخلافة، ثم إني اعتبرت ما ورد فيه من معاني الآيات والأخبار