للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقولُ تقيُّ الدينِ بنُ تيمية: "وليُعْلَم أنّه ليس أحدٌ مِنْ الأئمةِ المقبولين قبولًا عامًّا يتعمدُ مخالفةَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في شيءٍ مِنْ سنته: دقيقٍ ولا جليلٍ؛ فإنَّهم متفقون اتفاقًا يقينيًا على وجوبِ اتِّباع الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -، وعلى أن كلَّ أحدٍ مِن الناسِ يُؤْخَذُ مِنْ قولِه ويُتركُ، إلا رسول لله - صلى الله عليه وسلم -" (١).

ويقولُ ابنُ أبي العز الحنفي: "مَنْ ظنَّ أن أبا حنيفةَ أو غيرَه مِنْ أئمةِ المسلمين يتعمدُ مخالفةَ الحديثِ الصحيحِ أو غيرِه، أو أنّه إذا قالَ بالقياسِ، ثمَّ ظَهَرَ له النصُّ، لا يرجع إليه: فقد أَخطأَ عليهم" (٢).

ويقولُ في موضع آخر: "لا يجوزُ أنْ يُقْالَ عن أبي حنيفةَ - ولا عمَّنْ دونه مِنْ أهلِ العلمِ - فيما يُوْجَدُ مِن أقوالِه مخالفًا للنصِّ: إنَّه خالفَ الرسولَ قصدًا، بلْ إمَّا أنْ يُقالَ: إنَّ النصَّ لم يبلغْه، أو لم يظهرْ له دليلٌ على ذلك الحكمِ، أو عارضه عنده دليلٌ آخر، أو غير ذلك مِن الأعذارِ" (٣).

وقد ألَّفَ تقيُّ الدّينِ بنُ تيميةَ رسالتَه المشهورة: (رفع الملام عن الأئمة الأعلام)، وذَكَرَ فيها جملةً مِنْ أسباب مخالفةِ الأئمةِ لحديثِ النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ومِنْ وجهة نظري: فإن مسألةَ: (عمل المتمذهب إذا خالفَ مذهبُه الدليلَ) مِنْ أهمِّ مسائلِ التمذهب؛ إذ يترتب عليها عملُ المتمذهبين في كثيرٍ مِن المسائلِ العمليةِ التي خالفَ فيها قولُ إمامِهم حديثَ النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وقبلَ الولوجِ في هذه المسألةِ، تحسنُ الإشارةُ إلى الآتي:

أولًا: غالبُ حديثي في هذا المبحثِ، إنْ لم يكنْ كله في مخالفةِ قولِ إمامِ المذهبِ لحديث مِنْ أحاديثِ النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ والسبب في هذا: أن أحاديثَ النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرةٌ، ولم يطَّلع الواحدُ مِن الأئمةِ على جميعِ ما جاءَ عنه - صلى الله عليه وسلم -،


(١) رفع الملام عن الأئمة الأعلام (ص/ ٤).
(٢) الاتباع (ص/ ٤٠).
(٣) المصدر السابق (ص/ ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>