للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: تجنب الآراء الشاذة]

ليس كلّ قولٍ صدَرَ مِنْ أحدِ أهلِ العلمِ يكون قولًا معتبرًا؛ إذ مِن الأقوالِ المنقولةِ عن بعضِهم ما يكون موصوفًا بالشذوذِ.

ولا أقصدُ بالرأي الشاذِّ في هذا المقامِ ما تقدم تقريرُه في مسألةِ: (مصطلحات نقل المذهب)، وإنَّما أعني: القول الذي انفرد به قائلُه، وليس له دليلٌ معتبرٌ، أو القول المخالف للدليلِ (١).

إنَّ اهتمامَ العلماءِ والمتمذهبين بمذاهبِهم أضفى على الأقوالِ المذهبيةِ الأصوليةِ منها، والفقهية مزيدًا مِن العنايةِ والتحقيقِ، ولا يعني كلامي آنف الذّكرِ خلوَّ المذاهب المتبوعةِ مِن الأقوالِ الشاذَّةِ، كلا، بلْ لا يكادُ يخلو مذهبٌ مِنْ قولٍ شاذٍّ، وإنَّما أعني أنَّ الأقوالَ الشاذةَ الصادرةَ عن علماءِ هذه المذاهبِ أقلُّ مِن الأقوالِ الشاذةِ المنقولةِ عن بعضِ علماءِ السلف ممَّنْ لم يُكْتَبْ لهَم وجودُ أتباعٍ يسيرون على أقوالِهم ويخدمونها.

ويؤكّد هذا الأمر: عنايةُ أربابِ المذاهبِ بمصطلحاتِ نقلِ مذاهبهم، وفيها مصطلحاتٌ لتضعيفِ القولِ، هذا مِنْ جهةٍ.

ومِنْ جهةٍ أخرى: فإنَّ لمحققي المذاهبِ الفقهيةِ عنايةً بالتنبيهِ على


(١) انظر: المغرب في ترتيب المعرب للمطرزي، مادة: (شذذ)، (١/ ٤٣٥)، والمصباح المنير للفيومي، مادة: (شذذ)، (ص/ ٢٥٢)، ومنهج البحث في الفقه للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان (ص/ ٢٠٣).
وللتوسع في تعريف القول الشاذ عند الأصوليين انظر: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (٥/ ٨٩ - ٨٦)، والكافية في الجدل لإمام الحرمين (ص/ ٥٨)، والبحر المحيط (٤/ ٥١٨)، والقول الشاذ للدكتور أحمد المباركي (ص/ ٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>