للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر الأستاذُ محمد بحيري الباعثَ على ارتكابِ الحيلِ، فَذَكَر أنَّ مرتكبها قد "يكون ممَّنْ تأخذُه العصبيةُ المذهبيةُ، فيأبى إلا أنْ يتمسكَ بمذهبِه في كل أحوالِه، وقد يكون في مذهبِه مِنْ الشدّةِ في بعضِ المسائلِ ما لا يطيقُ احتمالَه، ولا يبيحُ لنفسِه أنْ يقلِّدَ غيرَ مذهبِه، فيتخلّص مِنْ هذا المأزقِ بالحيلةِ التي ظاهرُها التزامُ المذهبِ، وحقيقتُها مخالفتُه" (١).

[أمثلة على تأثير التمذهب في الإفتاء بالحيلة]

المثال الأول: إذا قالَ الرجلُ لزوجتِه في أمرٍ لا بُدَّ لها مِنْ فعلِه: إنْ فعلتِ كذا، فأنتِ طالقٌ ثلاثًا.

احتالَ بعضُ المفتين، فَأَمَرَ الزوجَ أنْ يخالعَ زوجتَه؛ لتفعلَ المحلوفَ عليه، ثم يعقد عليها (٢)؛ التزامًا في جعل هذه الصيغة تعليقًا للطلاق، دونَ النظرِ إلى نيةِ الزوجِ، أأراد بها تعليق الطلاقِ، أم حثّ الزوجةِ على التركِ؟

المثال الثاني: نَقَلَ تاجُ الدين بنُ السبكي فتوى لأحدِ علماءِ الشافعيةِ (٣) في طلاقِ الثلاثِ، ملخصها: أنَّ رجلًا طلَّق زوجتَه ثلاثًا، بعد صحبةِ سنين، وبَعْد أولاد، فسألَ المفتي عن ولي المرأةِ، أكان يشربُ الخمرَ ويدخلُ الحمامَ بلا مئزر؟ وغير ذلك ممَّا يسقطُ العدالة، فإذا ذَكَرَ له ذلك، أفتى بعدمِ وقوعِ الطلاقِ؛ لفسادِ النكاحِ في الأصلِ (٤).

ولا يخفى أن الباعثَ للمفتي على هذه الحيلة التزام إيقاع الطلاقِ الثلاثِ إذا كان بلفظٍ واحدٍ.


(١) الحيل في الشريعة الإسلامية (ص/ ٣٠٣). وانظر: بدعة التعصب المذهبي لمحمد عيد عباسي (ص/ ١٧٦)، وبين متبع ومقلد أعمى للدكتور عامر الزيباري (ص/ ٥٣)، والمقلدون والأئمة الأربعة لعبد الرحمن معشاشة (ص/ ٨٠)، وتاريخ التشريع الإسلامي لعلي معوض وزميله (٢/ ٢٧٠).
(٢) انظر: إبطال الحيل لابن بطة (ص/ ٤٧)، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام (٣٥/ ٢٩١).
(٣) هو: نصر الله بن عبد القوي المصيصي.
(٤) الأشباه والنظائر (١/ ١٢١ - ١٢٢). وانظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٣٥/ ٢٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>