للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانَ بعضُ علماءِ المذاهبِ مقتنعين بعدمِ جوازِ الخروجِ عن المذهبِ، ولزومِ الإفتاءِ به، فإنَّ الغالبَ في شأنِهم أنْ لا يفتوا الناسَ إلا بالمذهبِ، وإذا كان في الإفتاءِ به حرجٌ ومشقةٌ بالغين، فإنَّ بعضَ المفتين يجنحُ إلىَ حيلةٍ يرى أنَّها تُخرج المستفتي مِن الحرجِ والمشقة اللذين وَقَعَا عليه، دون الخروجِ عن المذهبِ، مع العلمِ أنَّه بإمكانِ العالمِ أنْ يُفتي بغيرِ مذهبِه - إمَّا لرجحانِه وإمَّا للضرورةِ ونحو ذلك - دونَ الجنوحِ إلى الحيل، فبَدَلًا مِنْ أنْ يحافظَ المفتي على هيبةِ المذهبِ (١)، فليحافظْ على هيبةِ الشرعِ (٢).

يقولُ تقيُّ الدين بن تيمية مُبَيّنًا حالَ مَنْ يُشدّد على نفسِه: "إنَّه لا بُدَّ أنْ يضطرَ إلى إجازةِ ما حرّمه: فإمَّا أنْ يخرجَ عن مذهبِه الذي يُقلِّده في المسألةِ، وإمَّا أنْ يحتالَ" (٣).

ويبيّن في موضعٍ آخر أنَّه لما شاعَ في الأُمةِ اليمينُ بالطلاقِ، وانتشرَ انتشارًا عظيمًا، واعتقدَ كثيرٌ مِن الناسِ أنَّ الطلاقَ يقعُ بهذه اليمينِ لا محالةَ، وفي إيقاعِ الطلاقِ بها حرجٌ ومشقةٌ على الناسِ: نَشَأَ عن التزامِ هذا القولِ أنواعٌ من الحيلِ التي لا يقعُ بها الطلاقُ، ولا يُفتى فيها بما عدا المذهب (٤).

وبيَّن تقيُّ الدين أنَّه ليس في القرآنِ الكريمِ، ولا في السنةِ المطهرةِ، ولا في فتاوى الصحابةِ - رضي الله عنه - لزومُ الطلاق في هذه الحالة (٥).

وليس الباعثُ على ظهورِ الحيلِ وانتشارِها محصورًا في أمرٍ واحدٍ، بل هناك عدّةُ أمورٍ ساعدتْ على ظهورها، ويأتي في مقدمتِها: التزامُ المذهبِ، وعدم الخروجِ عنه.


(١) انظر: عدة البروق للونشريسي (ص/ ٥٤٢).
(٢) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٣٥/ ٢٩٨).
(٣) القواعد الكلية (ص/ ٢٥٨).
(٤) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٣٥/ ٢٩٠).
(٥) انظر: المصدر السابق (٣٥/ ٢٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>