للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتعريفُ الثاني مستفادٌ مِن التعريفِ الأولِ، إلا أنَّه حَذَفَ قيدينِ، وهما: "على الوجهِ الذي فَعَلَ"، و"على الوجهِ الذي تَرَكَ".

فالتأسي يتحققُ بمجرّدِ موافقةِ الفعلِ، لأجلِ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ، دونَ اعتبارٍ لغرضِ الفعلِ، وكذلك الترك.

واختارَ أبو شامةَ المقدسيُّ (١) عدمَ اشتراطِ الموافقةِ في النيةِ لتحقيقِ معنى التأسي (٢).

[العلاقة بين التعريف اللغوي والاصطلاحي]

مِنْ خلالِ تأمّلِ التعريفينِ الاصطلاحيين السابقينِ للتأسي، يظهرُ أنَّ المعنى اللغويَّ المناسبَ للمعنى الاصطلاحي هو المعنى الثاني لمادةِ: (أسو)، وهو: الاقتداء، والعلاقةُ بين المعنى اللغوي، والاصطلاحي ظاهرةٌ؛ فالتأسي الاصطلاحي اقتداءٌ، لكنَّه مختصٌ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فكلُّ تأسٍ مصطلحٍ عليه داخلٌ تحت معنى الاقتداءِ اللغوي، دونَ العكس.

وبناءً على ما تقدمَ، فالعلاقةُ بين المعنى اللغوي، والاصطلاحي هي: العمومُ والخصوصُ المطلقُ.

[العلاقة بين التمذهب والتأسي]

بعد أنْ بيّنتُ المعنى اللغويَّ والاصطلاحيَّ للتأسي، أستطيع بعده أنْ


(١) هو: عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان المقدسي الدمشقي، شهاب الدين أبو القاسم، المشهور بأبي شامة؛ لشامةٍ كبيرة فوق حاجبه الأيسر، ولد بدمشق سنة ٥٩٩ هـ كان إمامًا راسخًا في العلم، متفننًا مقرئًا فقيهًا أصوليًا محدثًا نحويًا مؤرخًا، زاهدًا ورعًا، شافعي المذهب، من مؤلفاته: المحقق من علم الأصول فيما يتصل بأفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكتاب الروضتين بأخبار الدولتين، والكتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول، توفي سنة ٦٦٥ هـ. انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ للذهبي (٤/ ١٤٦٠)، وفوات الوفيات لابن شاكر (٢/ ٢٦٩)، وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (٨/ ١٦٥)، وطبقات الشافعية للإسنوي (٢/ ١١٨)، والبداية والنهاية (١٧/ ٤٧٢)، وبغية الوعاة للسيوطي (٢/ ٧٧)، وطبقات المفسرين للداودي (١/ ٢٦٣).
(٢) انظر: المحقق من علم الأصول (ص/ ١٠٢ وما بعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>