للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: دعوى غلق باب الاجتهاد، ومحاربة من يدعيه]

مِن الآثارِ السلبيةِ التي أسهمَ التمذهبُ في انتشارِها وتَمَسُّكِ المتمذهبين بها القولُ بإغلاقِ باب الاجتهادِ، ومحاربةِ مَنْ يدّعيه، فليس بإمكانِ أحدٍ أنْ يدّعي أنَّه يستنبطُ أحَكامَ المسائلِ بنَظَرِه في الأدلةِ الشرعيةِ، بلْ عليه النظرُ في المذهبِ - أو المذاهب المتبوعة - لمعرفةِ الحُكْمِ (١).

والحديثُ عن إغلاقِ باب الاجتهادِ حديثٌ متشعبٌ، ولن أتحدثَ عن آثارِ القولِ بإغلاقِه، ولا عن مَسالةِ: (خلو العصرِ عن مجتهدٍ)، وإنْ كان كلام الأصوليين عنها يدلُّ على أثرِ التمذهب في القولِ بإغلاقِ بابِ الاجتهادِ في الشريعةِ عند القائلين بجوازِ خلوِ العصَرِ عن مجتهدٍ (٢).

إنَّ للقولِ بإغلاقِ باب الاجتهادِ أسبابًا عدّة، ويأتي في مقدمتِها: النزعةُ المذهبيةُ التي ترى أنَّ المتمذهبين مهما بلغوا مِن العلمِ، فلنْ يصلوا إلى علومِ السابقين (٣).

ويصفُ الشيخُ محمدٌ أبو زهرة الحالةَ العلميةَ في القرونِ التاليةِ لعصورِ الاجتهادِ الأُولى، فيقول: "اقتصرَ العناءُ على مراجعةٍ أقوالِ السابقين، ثمَّ


(١) انظر: الفقه الإسلامي ومدارسه لمصطفى الزرقا (ص/ ١٠١ - ١٠٢)، وبدعة التعصب المذهبي لمحمد عباسي (ص/٢٢).
(٢) يقول الشيخ محمد أبو زهرة في: تاريخ المذاهب الإسلامية (ص/٣٠٣): "إنَّ المذاهب المختلفة لم تستقبل فكرة غلق باب الاجتهاد بقدرٍ واحدٍ، فإذا كانت الفكرةُ قد لاقتْ في المذهبين: الحنفي والشافعي رواجًا، فإنها لم يكن لها مثل الرواج في المذهب المالكي، وإنْ كان للفكرة أثر فيه، أمَّا المذهب الحنبلي، فقد قرر فقهاؤه وجوبَ أنْ لا يخلو عصرٌ من العصور من مجتهد". وانظر: ابن حنبل - حياته وعصره له (ص / ٣٢١ - ٣٢٢).
(٣) انظر: إعلام الموقعين (٤/ ٣١ - ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>