للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثاني: ردُّ دلالة الآيات والأحاديث الثابتة، والتكلف في ذلك

لا شكَّ في أنَّ عمادَ الأحكامِ الشرعيةِ هو اتباع الدليلِ، ويأتي على رأسِ الأدلةِ دليلُ الكتابِ، ودليلُ السنةِ النبويةِ المطهرةِ.

ومهما أوتي المجتهدُ مِنْ حفظٍ للسنةِ النبويةِ ومعرفةٍ بها، فإنَّ احتمالَ مخالفتِه لدليلٍ منها لم يطلعْ عليه احتمالٌ قوي.

وأيضًا: فقد لا يأخذ المجتهدُ بما دلَّ عليه الحديث؛ لعدم وقوفِه على إسنادٍ صحيحٍ له، في حين أنَّ الحديثَ ثابتٌ مِنْ طريقٍ آخر.

إذا تقرَّرَ أنَّ احتمالَ مخالفةِ إمامِ المذهبِ لدليلٍ مِن الكتاب والسنةِ - على وجهِ الخصوصِ - احتمالٌ قائمٌ، فإنَّ هذا الأمرَ يجعل العذرَ قائمًا لدى أتباعِه في مخالفةِ إمامِهم فيما ذَهَبَ إليه، واتِّباع مجتهدٍ آخر أَخَذَ بالدليلِ.

لكنَّ الأمرَ لم يقعْ على هذا النحوِ عند بعضِ المتمذهبين؛ إذ تمسّكَ بعضُهم بما جاءَ عن إمامِهم، وردّوا حُكْمَ الكتاب والحديثِ النبوي بالتكلّفِ في أوجهِ الجوابِ عنهما، كلُّ ذلك؛ لئلا يخالفوَا إمامَهم ومذهبَهم، فجعلوا قولَ إمامِهم ومذهبَهم أصلًا، فما جاءَ به الكتابُ والسنة موافقًا لأصلِهم قبلوه، وما خالفه ردّوه (١).

وأنبّه إلى أنَّ حكايةَ الأثرِ السلبي للتمذهب وبيانَه لا يعني بالضرورةِ وقوعَ كافّة المتمذهبين فيه، وتلبّسهم به، بل المقصودُ أنَّ مِنْ المتمذهبين مَنْ وَقَعَ في هذا الأمر، وتلبَّس به في عصرٍ مِن العصورِ.


(١) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (١٠/ ٣٦٧)، وإعلام الموقعين (٦/ ١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>