للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويويّدُ ما سَبَقَ ثلاثةُ أمورٍ:

الأمر الأول: أنَّ كثيرًا مِن العلماءِ متمذهبون بمذاهب محددة، بدليل: ما يختمُ به الواحدُ منهم اسمَه مِنْ النسبةِ إِلى مذهبِه، وورود أسمائِهم في كتبِ طبقاتِ المذهبِ، وهم ليسوا مِنْ العامّةِ قطعًا، ولم يلتزمْ جمعٌ منهم برخصِ المذهبِ وعزائمِه، بل خالفوا بعضَ ما في مذهبِهم، ولم يُخْرِجْهم ذلك عن كونِهم متمذهبين (١).

يؤكدُ ذلك: ما يَرِدُ في ترجمةِ بعضِ العلماءِ في كتبِ الطبقاتِ مِنْ ذِكرِ آرائِه الَّتي انفردَ بها، ولو أخرجه ذلك عن التمذهبِ بمذهبِه، لما ذكروا اسمَه في طبقاتِ المذهبِ.

الأمر الثاني: أنَّ جماعةً مِنْ أهلِ العلمِ بلغوا شأوًا كبيرًا فيه، ومَعَ ذلك فهم ينتسبون إِلى مذاهبِ أئمتِهم (٢).

الأمر الثالث: الواقعُ العلمي لمؤلفاتِ جمعٍ غفيرِ مِن العلماءِ، فتجدُ العالمَ يُؤَلِّفُ كتابًا في مذهب إِمامِه في الأصولِ أو الفروعِ، ويستدلُّ لأقوالِه، وتجدُ منه التصريحَ بقولَه: مذهبُنا، إِمامُنا.

ثانيًا: كان اهتمامُ المتأخرين بالحديثِ عن التمذهبِ أكثرَ مِن اهتمامِ العلماءِ المتقدمين، وقد عَرَّف جمعٌ منهم مصطلحَ: (التمذهب).

وأنبَّه إِلى أن بعضَ التعريفاتِ الَّتي سأوردها بعد قليلٍ، قد وَرَدَتْ في سياقٍ معيّنٍ، وليست بصريحةٍ في كونِها تعريفًا للتمذهبِ، لكنْ يُمْكِنُ أخذ التعريفِ منها، فاعتبرتُها تعريفًا، وقد نبّهتُ على هذا في موضعِه.

[تعريف التمذهب عند المتأخرين]

التعريف الأول: التزامُ غيرِ المجتهدِ مذهبًا معينًا، يعتقدُه أرجح أو مساويًا لغيره.


(١) انظر: الإِمام أبو الحسن اللخمي للدكتور محمد المصلح (١/ ١٩٠ وما بعدها).
(٢) انظر: البرهان (٢/ ٧٤٧)، وقواطع الأدلة (٥/ ١٧٥)، والمنخول (ص/ ٤٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>