للمذهبِ مِنْ جهةِ: أنَّ إقامةَ أدلةِ المذهبِ، والإجابةَ عن أدلةِ المخالفين، وترجيحَ المذهبِ على غيرِه مِن المذاهبِ، يكون بها النصرُ للمذهبِ، والإعانةُ له على مَنْ يخالفُه.
[العلاقة بين التمذهب والانتصار للمذهب]
قبلَ بيانِ العلاقةِ بين مصطلحي: التمذهب، والانتصار للمذهب، أُبين أنَّ هناك تقاربًا بين الانتصارِ للمذهب والخلافِ - المتقدم في المطلبِ السادسِ - يدلُّ على هذا: أنَّ بعضَ المؤلفاتِ في الخلافِ لا يوجد بينها وبين المؤلفاتِ في الانتصارِ للمذهبِ كبيرُ فرقٍ (١)، إلا أن مسمَّى الانتصارِ للمذهبِ يشملُ ما هو أوسعُ مِنْ نصرةِ المذهبِ في المسائلِ الخلافيةِ، كما تقدّمَ قبلَ قليل في صورِ الانتصارِ للمذهبِ.
ويمكنُ القولُ: إن مَنْ سمَّى مؤلَّفَه بالخلاف، اتجه نظرُه إلى حكايةِ الأقوالِ المخالفةِ لمذهبِه؛ ومَنْ سمَّى مؤلَّفَه الذي خصه بالمسائلِ الخلافيةِ بالانتصارِ، اتجه نظرُه إلى إقامةِ الدلائلِ على قوةِ مذهبِه، وضعفِ ما خالفه.
وقد يكونُ للروحِ المذهبيةِ المسيطرةِ على بعضِ أتباعِ المذاهبِ في بعضِ العصورِ أثرٌ في عنونةِ الكتبِ المؤلَّفةِ في الخلافِ بالانتصارِ للمذهبِ.
يجتمعُ التمذهبُ والانتصارُ للمذهبِ في: أن كلًّا منهما أخذٌ لقولِ الإمامِ في الأصولِ، أو في الفروعِ.
ويفترق التمذهبُ والانتصارُ في الآتي:
أولًا: التمذهبُ سابقٌ في الوجودِ على الانتصارِ للمذهبِ؛ إذ الانتصارِ للمذهبِ إنَّما وُجِدَ بعد قيامِ المذهبِ الذي يُراد نصرُه، فالانتصارُ للمذهبِ أثرٌ مِنْ آثارِ التمذهبِ.
يقولُ الشيخُ محمدٌ الخضري: "لم يكن انتسابُ العلماءِ في هذا الدورِ
(١) انظر: تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد الخضري (ص/ ٣٣٣).