للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاستمرارِ على القولِ المرجوحِ، والاعتداءِ على المخالفين، والحطِّ مِنْ قدرِهم، ثمَّ الوقوع في التفرّقِ.

[العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي]

تقدّمَ لنا أنَّ مِنْ معاني التعصبِ في اللغةِ: المحاماةَ والمدافعةَ، وهذا المعنى مناسبٌ للمعنى الاصطلاحي، إلا أنَّ المعنى الاصطلاحيَّ أخصُّ؛ لأنَّ المحاماةَ والمدافعةَ مِنْ أَتْبَاعِ المذهبِ عن مذهبِهم، فالعلاقةُ بينهما هي العمومُ والخصوصُ المطلقُ.

وللتعصبِ صورٌ متعددةٌ، سيأتي الحديثُ عنها - إنْ شاءَ الله - في مبحثٍ مستقلٍّ في البابِ الثاني، وقد حذَّر جمعٌ مِن العلماءِ مِنْ داءِ التعصبِ المذهبي، ولنستمعْ إلى قولِ تقيِّ الدين بنِ تيميةَ: "وبلادُ المشرقِ مِنْ أسبابِ تسليطِ الله التترَ عليها: كثرةُ التفرقِ والفتنِ بينهم في المذاهبِ وغيرِها، حتى تجد المنتسبَ إلى الشافعي يتعصبُ لمذهبِه على مذهبِ أبي حنيفةَ حتى يخرج عن الدّينِ، والمنتسبَ إلى أبي حنيفةَ يتعصبُ لمذهبِه على مذهبِ الشافعي وغيره حتى يخرج عن الدّينِ، والمنتسبَ إلى مالكٍ يتعصبُ لمذهبِه على هذا وهذا.

وكلُّ هذا مِن التفرقِ والاختلافِ الذي نهى اللهُ ورسولُه عنه" (١).

[العلاقة بين التمذهب والتعصب]

مِنْ خلالِ تأمّلِ حقيقةِ كلٍّ مِن التمذهبِ والتعصبِ، نجد أنَّهما يجتمعانِ في: أن كلًّا منهما أخذٌ لمذهبِ إمامٍ معيَّنٍ في الأصولِ، أو في الفروعِ.

ويفترقُ التمذهبُ والتعصبُ في الآتي:

أولًا: التمذهبُ أسبقُ وجودًا مِنْ التعصب المذهبي؛ إذ الذي ولّد


(١) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٢٢/ ٢٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>