للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: عرض مشروع توحيد المذاهب الفقهية]

لم يكن موقفُ بعضِ المعارضين للتمذهبِ موقفًا يعتمدُ على اطِّراح التمذهبِ والتقليدِ المذهبي فحسب، بل اقترحَ بعضُهم مشروعًا ليكونَ بديلًا عن تمذهبِ المسلمين بالمذاهب المتبوعةِ، وإذا صوّبنا النظرَ تجاههم نجد أنَّ لبَّ المَشروعِ المطروحِ مِنْ قِبَلِهم قائمٌ على توحيدِ المذاهب الفقهيةِ، لا على أساسِ الاكتفاءِ بواحدٍ منها، بلْ على أساسِ الأخذِ بالقَولِ الراجحِ منها، دونَ انتسابٍ إلى مذهبٍ مِن المذاهبِ المعروفةِ.

ولا شكَّ عندي في أنَّ الحادي لهؤلاءِ إلى الدعوةِ إلى توحيدِ المذاهبِ، والباعثَ لهم حرصُهم على أنْ يلتئمَ شملُ أربابِ المذاهب المتبوعةِ، فلا يكون بينهم عداوةٌ ولا بغضاء، وأنْ يعملوا جميعُهم بالأدلةِ الشرعيةِ، وأنْ يستفيدوا مِنْ جميعِ المذاهبِ المتبوعةِ (١).

يقولُ الشيخُ محمدٌ الباني مُعللًا دعوتَه إلى توحيدِ المذاهبِ: "تخلّصًا مِن التعصبِ الممقوتِ، وحميةِ الجاهليةِ الأُوْلى التي نشأتْ بين متأخري أتباعِ المذاهب، فَنَجَمَ عنها: تفرّقُ كلمتِهم، وتخاذلُهم في وقتٍ هم أشدُّ الناسِ احتياجًا فيه إلى اتّحادِ الكَلِم والتضامنِ" (٢).

ويظهر لي أنَّ بدءَ الدعوةِ إلى توحيدِ المذاهبِ كانت في أوائل القرنِ الرابعِ عشرِ الهجري تقريبًا، يدلُّ على هذا: ما جاء في فتاوى الشيخ عبد القادر بن بدران (ت: ١٣٤٦ هـ) من السؤال عن توحيدِ المذاهبِ (٣)، ودعوةِ


(١) انظر: مجلة المنار (٣٣/ ٧١١)، وبدعة التعصب المذهبي لمحمد عباسي (ص / ٦٠، ٦٤ - ٦٦).
(٢) عمدة التحقيق (ص/ ٤٤ - ٤٥).
(٣) انظر: المواهب الربانية (ص/ ٢٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>