ويظهر لي أنَّ الأقربَ عدمُ إطلاقِ لفظِ:(الفقيه) على الفروعي؛ ولعل مَنْ أطلق عليه لفظ:(الفقيه) اتجه نظرُه إلى حفظِ الفروعي للمسائلِ الفقهيةِ، فناسَبَ مِنْ هذه الجهةِ تسميته بالفقيه؛ لحفظِه للفقه، والمسألةُ - كما هي ظاهرة - لفظيةٌ اصطلاحيةٌ، ولا مشاحةَ في الاصطلاح.
ويمكنُ القول في بيانِ العلاقة بين المتمذهب والفروعي: إنَّ المتمذهبَ والفروعي يجتمعان في أنَّ كلًّا منهما يلتزمُ أقوالَ إمامٍ معيّنٍ في الفروعِ.
والفرق بينهما يظهر في أنَّ الفروعي يمثلُ طبقةً مِنْ طبقاتِ المتمذهبين - وهي الطبقةُ الدُنيا - إذ المتمذهبون طبقاتٌ، وأدنى هذه الطبقات مَن اكتفى بحفظِ فروعِ مذهبِه مجردةً عن أدلتِها، دونَ معرفةٍ بأصولِ الفقهِ.
وبناءً على ما تقدم آنفًا، فكلُّ فروعي متمذهبٌ، دونَ العكسِ، والنسبة بينهما هي العمومُ والخصوصُ المطلقُ.
[المسألة الخامسة: تمذهب المجتهد]
مِن المعلوم أن رتبةَ الاجتهادِ أعلى مِن التمذهبِ، والمجتهدُ أعلى قدرًا مِن المتمذهبِ، لكنْ إذا بَلَغَ العالمُ رتبةَ الاجتهادِ المطلقِ في الشرعِ، فهل له أنْ يتمذهبَ بمذهبٍ معيَّنٍ؟
يمكن القولُ بأنَّ لتمذهبِ المجتهدِ ثلاث حالاتٍ:
الحالة الأولى: أنْ ينتسبَ المجتهدُ إلى مذهبٍ معينٍ، دون أنْ يكونَ لهذه النسبةِ أثرٌ في اجتهادِه.
الحالة الثانية: أنْ ينتسبَ المجتهدُ إلى مذهبٍ معينٍ، ويأخذ بقولِ إمامِه في بعضِ المسائلِ على سبيلِ الاتباعِ.
الحالة الثالثة: أنْ ينتسبَ المجتهدُ إلى مذهبٍ معينٍ، ويأخذ بقولِ إمامِه في بعضِ المسائلِ على سبيلِ التقليدِ.