للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجعل بعضُ الأصوليين المناسبةَ بين المعنيين مِنْ جهةِ أنَّ المقلِّدَ كأنَّه يطوِّق المجتهدَ إثمَ ما غشَّه به في دينِه، وكَتَمَه عنه مِنْ علمِه، إنْ كان المجتهدُ أخطأ في قولِه؛ أخذًا مِنْ قولِه تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (١).

وقد أشارَ أبو الخطابِ إلى مناسبةٍ أخرى، فقالَ: "التقليدُ مشتقٌ مِنْ تطويقِ المقلِّد للمقلَّد ما يتعلقُ بذلك الحكمِ مِنْ خيرٍ وشرٍّ، كتطويقِ القلادة، وخصَّ بذلك؛ لأنَّ القلادةَ ألزمُ الملابسِ لعنقِ الإنسانِ، ولهذا يُقالُ للشيءِ اللازم: هذا عُنقُ فلانٍ، أيْ: لزومُه له كلزومِ القلادةِ ... وإنَّما سُمّي بذلك؛ لأنَّ المقلِّد يَقْبَلُ قولَ المقلَّدِ بغيرِ حجةٍ، فيلزمُ المقلِّد ما كان في ذلك القولِ مِنْ خيرٍ وشرٍّ" (٢).

العلاقةُ بين التمذهبِ والتقليدِ:

سَبَقَ وأنْ بيّنتُ اختلافَ الأصوليين في دخولِ أخذِ العامي قول المجتهدِ في حقيقةِ التقليدِ، وسأسيرُ هنا على القولِ القائلِ بأنَّه داخلٌ في حقيقةِ التقليدِ؛ لأنَّه قولُ معظمِ الأصوليين (٣).

يقولُ بدرُ الدينِ الزركشي: "مَنْ نَظَرَ كتبَ العلماءِ والخلافيين وَجَدها طافحةً بجعلِ العوامِّ مقلدين" (٤).

يجتمعُ التمذهبُ والتقليدُ في: أنَّ كلًا منهما أخذٌ لقولِ قائلٍ.

ويفترقُ التمذهبُ والتقليدُ في أمورٍ، منها:

الأول: التمذهبُ أخذُ قولِ إمامٍ مجتهدٍ، أمَّا التقليدُ، فهو أخذ لقولِ قائلٍ سواءٌ أكان القائلُ مجتهدًا، أم غيرَ مجتهدٍ.


(١) من الآية (١٣) من سورة الإسراء. وانظر: رسالة في أصول الفقه للعكبري (ص/ ١٢٨)، وشرح مختصر الروضة (٣/ ٦٥١ - ٦٥٢).
(٢) التمهيد في أصول الفقه (٤/ ٣٩٥).
(٣) انظر: البحر المحيط (٦/ ٢٧٤)، والتحبير (٨/ ٤٠١٦).
(٤) البحر المحيط (٦/ ٢٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>