للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: التمذهبُ أخذُ أقوالِ إمامٍ معيَّنٍ، أمَّا التقليدُ، فقد يكونُ الأخذُ فيه - عند تعدد الوقائع - عن مجتهدٍ معيّنٍ، وقد يكونُ عن عددٍ مِن المجتهدين.

الثالث: يمثِّلُ التمذهبُ منظومةً متكاملةً مِن الفقهِ وأصولِ الفقهِ والقواعدِ والضوابطِ الفقهيةِ، أمَّا التقليدُ، فهو خالٍ عن هذه الأمورِ.

الرابع: يتفرع عن الثالثِ: أن التمذهبَ في كثيرٍ مِنْ صورِه طريقٌ للتفقه، أمَّا التقليدُ، فليس بطريقٍ للتفقه.

يقولُ القاضي عبدُ الوهاب المالكي (١): "والتفقهُ مِن التفهمِ والتبيّن، ولا يكونُ ذلك إلا بالنظرِ في الأدلةِ واستيفاءِ الحجةِ، دون التقليدِ؛ فإنَّه لا يُثْمِرُ عِلْمًا، ولا يُفْضِي إلى معرفةٍ" (٢).

ويقولُ - أيضًا -: "فإنْ قِيلَ: أتراكم تعتقدونَ مذهبَ مالك بنِ أنس - رحمه الله - وتختارونه دونَ غيرِه مِنْ مذاهبِ المخالفين، وتُخبِرونَ عنْ صوابِه، وتَأمُرون مبتدئَ التفقهِ بدرسِه، فَخَبِّرُونا عنْ موجبِ ذلك عندكم، أهو تقليدُكم له، وأنَّكم صرتم إليه؛ لأنَّه قال؟ أو لأنَّ الدليلَ قامَ عندكم عليه؟


(١) هو: عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد بن الحسين بن هارون بن مالك التغلبي البغدادي، أبو محمد المعروف بالقاضي عبد الوهاب، ولد ببغداد سنة ٣٦٢ هـ كان إمام المالكية بالعراق، علامةً بارعًا في الفقه والأصول، حسن النظر، جيد العبارة، انتهت إليه رئاسة المذهب المالكي في زمانه، له شعر جميل، من مؤلفاته: التلقين، والمعونة على مذهب عالم المدينة، وعيون المجالس - وهو اختصار لعيون الأدلة لابن القصار - والتلخيص في أصول الفقه، والإفادة، والإشراف في مسائل الخلاف، والمعرفة في شرح الرسالة، توفي سنة ٤٢٢ هـ.
انظر ترجمته في: تاريخ مدينة السلام للخطيب (١٢/ ٢٩٢)، وترتيب المدارك للقاضي عياض (٧/ ٢٢٠)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (٣/ ٢١٩)، وسير أعلام النبلاء (١٧/ ٤٢٩)، وفوات الوفيات لابن شاكر (٢/ ٤١٩)، والديباج المذهب لابن فرحون (٢/ ٢٢٦)، والبداية والنهاية (١٥/ ٦٣٩)، والوفيات لابن قنفذ (ص/ ٢٣٣)، وشذرات الذهب لابن العماد (٥/ ١١٢)، وشجرة النور الزكية لمخلوف (١/ ١٠٣).
(٢) نقل جلالُ الدين السيوطي كلام القاضي عبد الوهاب في: الرد على من أخلد إلى الأرض (ص/ ١٠٧)، وانظر منه: (ص/ ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>