للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- التي تخلو عادةً مِنْ نصوصِ الوحيين - فصرفوا عنايتَهم إلى حلِّ ألفاظِها، وتفكيكِ عباراتِها، وبيانِ رموزِها، فشُغِلوا بكثيرِ مِن المناقشاتِ اللفظيةِ عن النظرِ في النصوصِ الشرعيةِ (١).

ويشهدُ لما بيّنتُه آنفًا الآتي:

أولًا: ما جاءَ عن بعضِ المالكيةِ في بيانِ كيفيةِ الإفتاءِ في النازلةِ: الفتوى على ما ذكره الإمامُ مالكٌ في (الموطأ)، فإنْ لم يجد النازلةَ في (الموطأ)، فبقولِ الإمام في (المدونة)، فإنْ لم يجدْها فيه، فبقولِ ابنِ القاسمِ في (المدونةِ)، فإنْ لم يجدْها، فبقولِ ابنِ القاسمِ في غيرِ (المدونةِ)، فإنْ لم يجدْها فيه فبقولِ غيرِ ابنِ القاسمِ في (المدونةِ)، وإنْ لم يجدْها، فبقولِ أهلِ المذهبِ (٢).

ثانيًا: ما جاء عن أبي الحسنِ الكرخي الحنفي مِنْ قولِه: "الأصلُ: أنَّ كلَّ آيةٍ تخالفُ قولَ أصحابنا، فإنَّها تحملُ على: النسخِ، أو على الترجيحِ، والأَوْلَى أنَّ تُحمل على التأويلِ ... الأصل: أنَّ كلَّ خبرٍ يجيء بخلافِ قولِ أصحابِنا، فإنَّه يُحملُ على: النسخِ، أو على أنَّه معارضٌ بمثلِه، ثم صار (٣) إلى دليل آخر، أو ترجيح فيه بما يحتج به أصحابنا من وجوه الترجيح ... " (٤)، فهذا الحَكمُ الكلي يدفعُ السامعَ إلى الإعراضِ عن نصوصِ الوحيينِ، اكتفاءً بما في المذهبِ مِنْ أحكامٍ.

* * *


(١) انظر: الفكر السامي لمحمد الحجوي (٤/ ٣٩٣)، وتاريخ الفقه لمحمد السايس (ص/ ١٧٤)، وبدعة التعصب المذهبي لمحمد عباسي (ص/ ١٥٩)، وابن باديس - حياته وآثاره للدكتور عمار الطالبي (١/ ١٠٨).
(٢) انظر: المعيار المعرب للونشريسي (١٢/ ٢٣)، والفتاوى الكبرى الفقهي لابن حجر الهيتمي (٣/ ٢٤).
(٣) لعل الصواب: "يصار"؛ إذ هو المناسب للسياق.
(٤) أصول الكرخي (ص/ ٨٤) مطبوعة مع تأسيس النظر لأبي زيد الدبوسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>