للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد كان مِنْ أسوأِ آثارِ التمذهبِ السلبيةِ، إنْ لم يكن أسوأها، وقوعُ بعضِ المتمذهبين في مخالفةِ نصوصِ الكتاب والسنةِ، بُغْيَةَ البقاءِ على المذهبِ، ولزومِه وعدمِ مفارقتِه (١)، فردّوا الأدلَّةَ الشرعيةَ، لمجرّدِ مخالفتِها المذهب (٢).

ولقد بَرَزَ الأثرُ السلبيُّ بصورةٍ أوضح في السنةِ النبويةِ؛ لوقوعِ بعضِ أئمةِ المذاهب في مخالفةِ دليلٍ منها، لأي سببٍ من الأسباب التي يُعذر بها الإمامُ.

يقولُ أبو الوفاءِ بنُ عقيل: "المذاهب تُؤْخَذُ مِن الأدلةِ، فأمَّا أنْ تُؤْخَذَ الأدلةُ أو تُصَحّح مِن المذاهبِ، فكلا، وهذا يكثرُ مِن الفقهاءِ" (٣).

ويقولُ ابنُ أبي العزِّ الحنفي عن بعضِ متعصبةِ مذهبِه: "إنْ أُورِدَ عليهم نصٌّ مخالفٌ قوله - أي: قول الإمام أبي حنيفة - تأوّلوه على غيرِ تأويلِه؛ ليدفعوه عنهم" (٤).

وقد أشارَ الشوكانيُّ إلى أنَّ المحاماةَ والمدافعةَ عن المذهب، وإيثارَه على السنةِ النبويةِ الصحيحةِ مِنْ "ثمراتِ التمذهباتِ، وتقليدِ الَرجالِ في مسائلِ الحلالِ والحرامِ" (٥).

ولا يخفى أنَّ اللومَ في هذه الحالةِ يقعُ على مَنْ تلبَّسَ بالأثرِ السيئِ، ولا يشملُ جميعَ المتمذهبين ممَّن لم يتلبسْ به.

وقد بيَّنَ تقيُّ الدين بنُ تيمية أنَّ تأويلَ النصوصِ - الصحيحة أو


(١) انظر: بدعة التعصب المذهبي لمحمد عباسي (ص/ ١٣٩)، وزوابع في وجه السنة لصلاح الدين مقبول (ص/ ٣٨١).
(٢) انظر: المتأخرون بين التجريد والتدليل للدكتور الصادق الغرياني، بحوث الملتقى الأول: القاضي عبد الوهاب المالكي (٦/ ٥٢٨).
(٣) الواضح في أصول الفقه (١/ ٣٥٨).
(٤) الاتباع (ص/ ٣٠).
(٥) نيل الأوطار (٦/ ٥٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>