للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآنِ أو السنةِ (١)، أو إِجماعًا متقدمًا.

الحالة الثالثة: أنْ يفتي المتمذهبُ بغيرِ مذهبِه؛ احتياطًا.

إِذا أفتى المتمذهبُ السائلَ بغيرِ مذهبِه؛ لأنَّ في تركِ مذهبِه إِلى مذهب إِمامٍ آخر احتياطًا، فالذي يظهرُ لي هو جوازُ الإِفتاءِ في هذه الحالةِ (٢)، إِنْ لم يقع المستفتي في حرجٍ ومشقةٍ.

ويظهرُ أن ممَّا يلزم المتمذهب في هذه الحالةِ أنْ يُبينَ للمستفتي مذهبَ إِمامِه، ثمَّ يبيِّن له أنَّ فيما أفتاه به احتياطًا له (٣)؛ لأنَّ السائلَ إِنَّما سألَ عن قولِ إِمامِ المتمذهبِ، ويحتمل إِرادة السائلِ تقليد إِمامِ المتمذهبِ بعينِه - ولذا سألَ أربابَ مذهبِ الإِمامِ - ومَعَ وجودِ الاحتمالِ كان مِن الأمورِ اللازمةِ بيانُ قولِ إِمامِه.

وأنبه إِلى أمرٍ مهمٍ، وهو: إِنْ ترتّبَ على إِفتاءِ المتمذهب بغيرِ مذهبِ إِمامِه مفسدة راجحة، فالأَوْلى بالمتمذهبِ مراعاةُ درئها، فَإِنْ أمكنَه أنْ يخرِّجَ القولَ الَّذي ترجّحَ عنده على أصولِ مذهبِه وقواعدِه أو فروعه، فهذا جيّدٌ، وقد تقدّم كلامُ ابن القيّمِ الَّذي يشيرُ إِلى إِمكانِ تخريج الأقوالِ الراجحةِ على أصولِ الأئمةِ (٤).

وإِنْ لم يمكنْه، فقد يُقال: إِنَّ الأَوْلى بالمتمذهبِ في هذه الحالةِ عدمُ الإِفتاءِ؛ مراعاةً لدرءِ المفسدةِ (٥)، وفيمكانِه أنْ يحيلَ السائلَ إِلى غيرِه من المفتين.


(١) انظر: إِعلام الموقعين (٦/ ١٦٩ وما بعدها).
(٢) انظر: أدب المفتي والمستفتي (ص/ ١٢٢ - ١٢٣)، وصفة الفتوى (ص/ ٣٩)، والمسودة (٢/ ٩٥٢)، والدر النضيد للغزي (ص/ ١٩٩).
(٣) انظر: المصار السابقة.
(٤) انظر: إِعلام الوقعين (٦/ ١٦٧)، والفتاوى الكبرى الفقهية لابن حجر الهيتمي (٤/ ٣١٩).
(٥) ذكرت في المبحث الأول: (عمل المتمذهب إذا خالف مذهبه الدليل) أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك بناء الكعبة على قواعد إِبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَام -؛ لأنَّ القوم كانوا حدثاء عهد بالكفر؛ خشية وقوع فتنة بين بعض المسلمين. وانظر: مجموع فتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية (٢٤/ ١٩٥)، وأصول الإِفتاء للعثماني (ص/ ٤٧٢ - ٤٧٣) مع المصباح في رسم المفتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>