للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعلَّ مِنْ أهمِّ الأسبابِ الَّتي ساعدتْ بعضَ المذاهب على البقاءِ والاستمرارِ على مرِّ القرون عنايةَ مجتهديها ومحققيها ببيانِ أَصولِ أئمتِهم وقواعدِهم، وتخريجهم أحكام النوازلِ عليها (١).

والمقصودُ بتخريجِ حكمِ النازلةِ على الأصولِ: أنْ يُبيّنَ المتمذهبُ حكمَ النازلةِ الَّتي لم يَنُصّ إِمامُ مذهبِه عليها بإِلحاقِها بقاعدةٍ أو بأصلٍ مِنْ أصولِه (٢).

يقولُ صدرُ الدّينِ السلمي: "إِذا لم يكنْ للشافعي - رضي الله عنه - في المسألةِ بعينِها نصٌّ، فالأصحابُ يخرِّجونها على أصولِه" (٣).

ويقولُ جمالُ الدّينِ الإِسنويُّ في فاتحةِ كتابِه: (التمهيد في تخريج الفروع على الأصول) (٤) عن الفروعِ المخرَّجةِ إِنْ لم يقفْ فيها على حكمٍ في مذهبِه: "ما لم أقفْ فيه على نقلٍ بالكُليّةِ، فاذكرُ فيه ما تقضيه قاعدتُنا الأصوليةُ، ملاحظًا أيضًا للقاعدةِ المذهبيةِ، والنظائرِ الفروعية".

ولم يقتصر اهتمامُ مجتهدي المذهبِ ومحققيه على تخريجِ حكمِ النازلةِ على أصولِ مذهبِهم، بلْ تحدثوا عن صفاتِ المخرِّجِ وشروطِه،


= وغير ذلك من القواعد -: فهو محتاج إِلى ما يحتاج إِليه المجتهد المطلق. فتنبه لهذا، وقد استقل قومٌ من المقلِّدين ببناء أحكامٍ على أحاديث غيرِ صحيحةٍ، مع أنَّ تلك الأحكام غير منصوصةٍ لأمامهم، وهم يحتاجون في هذا إِلى ما يحتاج إِليه المجتهد المطلق، فإذا قصروا عنه لم يكن لهم ذلك، ولم يجز أنْ تنسب تلك الأحكام إِلى ذلك الإِمام".
وعلَّق بدر الدين الزركشي في: البحر المحيط (٦/ ٢٠٦) على كلام ابن دقيق السابق قائلًا: "وهذا موضعٌ نفيسٌ ينبغي التفطن له".
(١) انظر: أبو حنيفة - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص/ ٣٩٧)، ومالك - حياته وعصره له (ص/ ٢٠٠)، وتخريج الفروع على الأصول لعثمان شوشان (١/ ٩٠).
(٢) انظر: أبو حنيفة - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص/ ٣٩٥)، والتخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ ٥١)، والمدخل المفضل إِلى فقه الإِمام أحمد (١/ ٢٨٠)، والقواعد والضوابط الفقهية القرافيه للدكتور عادل قوته (١/ ٢٢٠)، والفتوى في الشريعة الإِسلامية لعبد الله آل خنين (١/ ٣٥٤ - ٣٥٥)، والتكييف الفقهي للدكتور محمد شبير (ص/ ٢١)، والمعين في تفسير كلام الأصوليين للدكتور عبد الله ربيع (ص/ ١٣١).
(٣) فرائد الفوائد (ص/ ١٠٤).
(٤) (ص/ ٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>