للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اجتمعَ هذانِ الأمرانِ في المذاهبِ الأربعةِ المتبوعةِ؛ إِذ أسهمَ متمذهبوها بتخريجِ أحكامِ النوازلِ على أصولِ مذاهبِهم، ومِن المعلومِ أنَّ الفروعَ الَّتي تتخرَّج على أصولِ المذهبِ وضوابطِه كثيرةٌ غيرُ متناهيةٍ (١).

ومقامُ تخريجِ النازلةِ على أصولِ المذهبِ مقامٌ رفيعٌ، يحتاجُ المتمذهبُ فيه إِلى استيعابِ أصولِ مذهبِه وقواعدِه، والتشبّعِ منهما، ومِنْ المتعيّنِ عليه أنْ يكونَ شديدَ الاستحضارِ لهما؛ ليخرِّجَ النازلة على الأصلِ الَّذي يناسبها (٢).

ولا بُدَّ مِن انتباه المتمذهب حين يخرِّجُ حكمَ النازلةِ إِلى صحّةِ إِلحاقِها بالأصلِ أو بالقاعدةِ المذهبيةِ (٣)، وأنْ لا يكون هناك ما يوجبُ انقداحَ فرقٍ بين الصورةِ المخرَّجةِ، والأصلِ المخرَّجِ عليه (٤)، وهذا يجرُّ إِلى ضرورةِ مراعاةِ المتمذهبِ للمستثنيات مِن القاعدةِ؛ لئلا يُلْحِقَ النازلةَ بقاعدةٍ أو أصلٍ لا يستقيمُ إِلحاقها به.

يقولُ شهابُ الدين القرافي: "على الفقيهِ أنْ ينظرَ في ردِّ الفروعِ إِلى أقربِ الأصولِ إِليها، فيعتمد عليه" (٥).

ويقولُ أيضًا: "ينبغي للمفتي إِذا وقعتْ له مسألةٌ غيرُ منصوصةٍ، وأراد تخريجها على قواعدِ مذهبِه: أنْ يمعنَ النظرَ في القواعدِ الإِجماعيةِ والمذهبيةِ، هل فيها ما يوجبُ انقداح فرقِ بين الصورة المخرجةِ، والأصلِ المخرّجِ عليه أم لا؟ فمتى توهَّم الفرقَ وأنَّ ثَمَّ معنى في الأصل مفقود في


(١) انظر: الفروق للقرافي (١/ ١٨٤).
(٢) انظر: الإِحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام للقرافي (ص/ ٢٤٣)، ومنار أصول الفتوى للقاني (ص/٣٢٨).
(٣) انظر: الفروق للقرافي (٢/ ٢٥٤).
(٤) انظر: الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام للقرافي (ص/ ٢٤٣)، ومقدمة ابن خلدون (٣/ ١٥٥٦)، ومنار أصول الفتوى للقاني (ص/٣٢٨).
(٥) الذخيرة (١/ ٣٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>