للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ادّعى ابنُ أبي الدم (١) أنَّ الله أعجزَ الخلائق عن بلوغِ درجةِ الاجتهادِ! وصَرَفَ هممهم عن دركِها وبلوغِها (٢).

يقولُ أبو شامةَ المقدسي حاكيًا حالَ بعضِ أربابِ المذاهبِ مع مَنْ يريدُ بلوغَ رتبةِ الاجتهادِ: "صاروا ممَّنْ يرومُ رتبةَ الاجتهادِ يَعْجَبُون، وله يَزْدَرُون" (٣).

وقد نَقَلَ أبو العباسِ الونشريسي كلامًا عن بعضِ الفقهاءِ (٤) يصوّرُ حالَ بعضِ المتمذهبين الذين أغلقوا بابَ الاجتهادِ، فيقول: "وقد حكى الناسُ أنَّه لم يبلغْ في هذه الملةِ أحدٌ بعدَ الأئمةِ الأربعةِ رتبةَ الاجتهاد غير إسماعيلَ القاضي ... فكيفَ تطمحُ نفسُ عاقلٍ إلى تعاطي رتبة الاجتهادِ، والنظر في قول مالكٍ والشافعي وأبي حنيفةَ؟ ! وترجيحِ بعضِها على بعضٍ بهذه البلاد؟ ! وفي هذا الزمانِ الذي غاية المفتي به والعارفِ الدَّينِ الفاضلِ أنْ يكونَ قد مارسَ اصطلاحَ الفقهاءِ بعضَ الممارسةِ، ويكون عنده بعضُ دفاتر في الفقهِ مقتناه في خزانتِه، فإذا وَرَدَت عليه النازلةُ نَظَرَ في تلك الدفاترِ ... ، (٥).

ويستغربُ شمسُ الدّينِ بنُ القيّمِ (٦)،


(١) هو: إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن علي بن محمد بن أبي الدم الهمداني، شهاب الدين أبو إسحاق، ولد بحماة سنة ٥٨٣ هـ كان علامةً عالمًا فقيهًا مؤرخًا رجلًا مهابًا عفيفًا ورعًا، وافر الفضل، حسن الأخلاق، من أعيان المذهب الشافعي في زمنه، تولى قضاء حماة، من مؤلفاته: أدب القضاء، والتاريخ الكبير، وشرح مشكل الوسيط، توفي بحماة سنة ٦٤٢ هـ.
انظر ترجمته في: صلة التكملة لوفيات النقلة للحسيني (١/ ١٠٠)، وسير أعلام النبلاء (٢٣/ ١٢٥)، والوافي بالوفيات للصفدي (٦/ ٣٣)، وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (٨/ ١١٥)، وطبقات الشافعية للإسنوي (١/ ٥٤٦).
(٢) أدب القضاء (١/ ٢٧٩).
(٣) خطبة الكتاب المؤمل في الرد إلى الأمر الأول (ص/ ١٠٠).
(٤) فقيه من فقهاء ماطلة، لم يذكر الونشريسي اسمه في: المعيار المعرب (٢/ ١٦٦).
(٥) المصدر السابق (٢/ ١٧٠). وانظر في المعنى الذي نقله الونشريسي: مواهب الجليل للحطاب (٦/ ٨٩)، والفتاوى الكبرى الفقهية للهيثمي (٤/ ٣٠٢).
(٦) انظر: إعلام الموقعين (٤/ ٣٥). وانظر في المعنى نفسه: غاية الأماني للألوسي (١/ ٨٦)، والفكر السامي لمحمد الحجوي (٤/ ٤٥٢)، ومناهج الاجتهاد للدكتور محمد مدكور =

<<  <  ج: ص:  >  >>