للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصدرُ عن بعضهم مِن الوقوعِ في أعيانِ المذاهب ورجالها، ورميهم بالخطأِ، والتنقصِ مِنْ علمهم ونحو ذلك (١).

* * *


(١) ومن يطالع كتب أبي محمد بن حزم يرى قسوته وشدته وتطاوله على مخالفيه من أرباب المذاهب.
وذكر عبدُ الحي الحسني في: نزهة الخواطر (٨/ ١٠٠١) أنَّ عبد الحق بن فضل الله العثماني - من علماء الهند - لما ذهب إلى المدينة النبوية تكلَّم في بعض المسائل الخلافية، وصدر عنه ما لا يليق بشأن الأئمة المجتهدين، ورمى أصحابَ المذاهب بالضلال! فرفع أمره إلى قاضي المدينة.
ويتصل بهذا المبحث الإشارة إلى أنَّ بعض المتمذهبين لم تقتصرْ محاربتهم على مَن يدَّعي رتبةَ الاجتهاد، أو يدعو إلى النظرِ في نصوصِ الكتاب والسنةِ، بلْ أمسى كثيرٌ منهم في بعض القرون يحاربون ويعادون متمذهبي المذاهبِ الفقهية الأخرى، فكل فرقةٍ تنصرُ مذهبها، وتدعو إليه، وتذمّ من خالفها، بلْ وصل الحالُ عند بعضهم إلى أنَّهم يرون المخالف لهم كأنَّه مِنْ أهلِ ملةٍ أخرى.
انظر: إعلام الموقعين (٣/ ٥٥٦)، والقول المفيد في حكم التقليد للشوكاني (ص/ ١١٩)، والمذاهب الفقهية الإسلامية لمحمد تاجا (ص/ ١٦٥)، وبلوغ الأماني للدكتور الحسن العلمي (ص/ ١٦٥)، المقلِّدون والأئمة الأربعة لسعيد معشاشة (ص/ ٨١).
يقول تقيُّ الدين بنُ تيمية في: مجموع الفتاوى (٢٢/ ٢٥٤): "وبلادُ المشرقِ مِنْ أسبابِ تسليطِ الله التتر عليها: كثرةُ التفرقِ والفتنِ بينهم في المذاهبِ وغيرِها، حتى تجد المنتسبَ إلى الشافعي يتعصب لمذهبِه على مذهبِ أبي حنيفة حتى يخرج عن الدِّين، والمنتسبَ إلى أبي حنيفة يتعصب لمذهبِه علَى مذهبِ الشافعي وغيرِه حتى يخرج عن الدِّين، والمنتسبَ إلى أحمدَ يتعصب على مذهبِ هذا أو هذا، وفي المغرب: تجد المنتسبَ إلى مالكٍ يتعصب لمذهبِه على هذا أو هذا، وكَلُّ هذا مِن التفرقِ والاختلافِ الذي نهى اللهُ ورسولُه عنه".
ويقول الأميرُ الصنعاني في: منحة الغفار (١/ ١٢٣): "التمذهبُ منشأُ فرقةِ المسلمين، وبابُ فتنةِ الدنيا والدِّينِ، وهل فرَّق الصلواتِ المأمور بالاجتماعِ لها في بيتِ الله الحرامِ إلا تفرقُ المذاهبِ النابت عن غرسِ شجرةِ الالتزام؟ ! وهل سُفِكت الدماءُ وكفَّر المسلمونَ بعضَهم بعضًا إلا بسببِ التمذهبِ؟ ! ".
وكلام الصنعاني إن إراد به حكاية حال بعض المتمذهبين في زمنه، الواقعين في لوثة التعصب، فمسلم، وإلا ففي كلامِه مبالغةٌ وتعميمٌ غير مرضيين.

<<  <  ج: ص:  >  >>