للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرِه، مِنْ غيرِ اطلاعٍ على مأخذِه، فيورث ذلك حزازةً في الاعتقادِ في الأئمةِ الذين أجمعَ الناسُ على فضلِهم وتقدّمهم في الدِّينِ، واضطلاعهم بمقاصدِ الشارعِ وفهمِ أغراضِه، وقد وُجِدَ هذا كثيرًا! " (١).

ولم يسوّغ بعضُ المالكيةِ الفتوى بغيرِ مذهبِ الإمامِ مالكٍ فمَنَعَوا مِن الفتوى بغيرِ مذهبِهم (٢).

وأشدُّ ممَّا سَبَقَ أنْ يُحذَّرَ مِنْ مخالفةِ المذهبِ، فقد نَقَلَ أبو العباس الونشريسيُّ عن بعضِ ولاةِ الأندلس (٣) أنَّه كتب كتابًا، قالَ فيه: "مَنْ خالفَ مذهبَ مالكِ بنِ أنسٍ - رَحِمَهُ الله - بالفتوى أو غيرِه، وبلغني خبرُه، أنزلتْ به مِن النّكالِ ما يستحقّ! " (٤).

ونَقَلَ عنه - أيضًا - قوله: "كل مَنْ زاغَ عن مذهبِ مالكِ بن أنس، فإنَّه ممّن رِينَ على قلبِه، وزُيِّنَ له سوءُ عملِه" (٥).

وفي هذا الأمرِ - أيًّا كان الباعثُ عليه - دافعٌ قويٌ إلى تركِ الاطلاعِ على ما دوّنه علماءُ المذاهب الأخرى.

وذَكَرَ الشيخُ صالحٌ المقبلي (ت: ١١٠٨ هـ) أنَّ أحدَ طلبةِ العلمِ المغاربةِ أخبره، وهما بمكةَ بأنَّ الطلبةَ في أرضِه لا يَعرفون إلا مذهبَهم، ولا يعرفون غيرَه من المذاهبِ (٦).

ولما سَبَقَ، فقد حثَّ عددٌ مِن العلماءِ والمحققين على عدمِ الاقتصارِ


(١) الموافقات (٣/ ١٣١ - ١٣٢).
(٢) انظر: عدة البروق للونشريسي (ص / ٥٤٣).
(٣) هو: الحكم بن عبد الرحمن الأموي.
(٤) المعيار المعرب (٢/ ٣٣٣).
(٥) المصدر السابق. ولا يَبْعُد عندي أنَّ ما قاله هذا الوالي بسبب ما استقر في ذهنه من كثرة وجود البدع والمبتدعين في المذاهب الأخرى؛ إذ نقل الونشريسي عنه في: المصدر السابق قولَه: "جُلّ مَنْ يعتقد مذهبًا مِنْ مذاهب الفقهاء ... فإنَّ فيهم الجهميَّ والرافضيَّ والخارجيَّ إلا مذهب مالك".
وهذا ما قد يجعل اللائمةَ متجهةً إلى علماء المالكية في عصر الوالي وقُطْره؛ من جهة أنَّ ما استقر في ذهن الوالي كان بتأثير بعض علماء المالكية.
(٦) انظر: العَلَم الشامخ (ص/ ٤٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>