للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك الاختلافُ موجودٌ بين أربابِ العلومِ الأخرى - كالنحوِ والحديثِ والتفسيرِ وغيرِها - ولم يدعُ أحدٌ مِنْ أربابِ هذه العلومِ إلى توحيدِ الأقوالِ في علومِهم، ولم يعبْ أحدٌ منهم الاختلافَ الواقعَ بينهم (١).

السابع: أنَّ في الدعوةِ إلى توحيدِ المذاهبِ عدةَ سلبيات:

منها: ظنُّ السامعِ للدعوةِ إلى توحيدِ المذاهب أنَّ المذاهبَ المتبوعةَ عيبٌ يجبُ التّخلّصُ منه، ومشكلةٌ يجب حلُّها (٢)، ولَيس الأمرُ كذلك قطعًا.

ومنها: هدرُ الثروةِ العلميةِ التي خلفتها المذاهبُ الفقهيةُ المتبوعة وتضييعُها - من المؤلفات في الفقه وأصوله، والقواعد والضوابط الفقهية - وهذه الثروةُ محلُّ اعتزازِ وامتيازٍ للأمةِ وعلمائِها (٣).

ومنها: التسويةُ بين الاختلافِ في الفروع، والاختلافِ في العقائدِ، إذ الاختلافُ في العقائدِ مذمومٌ، وهو سببٌ للفُرْقَةِ والتفرّقِ، بخلافِ الاختلافِ في الفروعِ، فليس بسببٍ للفُرْقَةِ، إذا خلا عن التعصبِ المذهبي.

وختامًا لهذا المحورِ، أقول: لقد ذَكَرَ الشيخُ محمدٌ الحجوي كلمةً حسنةً في هذا المقامِ، فقالَ: "فالواجبُ علينا أنْ لا نسعى وراءَ توحيدِ المذاهبِ؛ لأنَّه أصعب شيءٍ يعانيه المصلحون، بلْ يجبُ أنْ نطّرحَ


= وقد علَّق ابن القيم في: إعلام الموقعين (٢/ ٣٥٥) على فعل الصحابة - رضي الله عنهم -، فقال: "اجتهد بعضُهم وصلّاها في الطريق، وقال: لم يُرِدْ منا التأخير، وإنَّما أراد سرعة النهوض، فنظروا إلى المعنى، واجتهد آخرون، وأخروها إلى بني قريضة، فصلوها ليلًا؛ نظروا إلى اللفظ. وأولئك سلف أهل الظاهر، وأولئك سلف أصحاب المعاني والقياس".
وانظر: المصفى في أصول الفقه لأحمد الوزير (ص/ ٢٢)، وأسباب اختلاف الفقهاء لعلي الخفيف (ص/ ١٨٧ - ١٨٨)، ومناهج الاجتهاد في الإسلام للدكتور محمد مدكور (ص/ ٩٩ - ١٠٠).
(١) انظر: نقاط الالتقاء بين المذاهب الإسلامية للدكتور وهبة الزحيلي (٤/ ١٧١) ضمن موسوعة الفقه الإسلامي المعاصر.
(٢) انظر: الفقه الإسلامي ومدارسه لمصطفى الزرقا (ص/ ٨٤).
(٣) انظر: المصدر السابق (ص/ ٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>