للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقولُ تقيُّ الدّينِ السبكي: "اعلمْ أنَّ كمالَ رُتبةِ الاجتهادِ تتوقّفُ على ثلاثةِ أشياء: ... الثالث: أنْ يكون له مِن الممارسةِ والتتبعِ لمقاصدِ الشريعةِ، ما يكسِبُه قوةً يفهمُ مرادَ الشرعِ مِنْ ذلك، وما يناسب أنْ يكونَ حُكمًا له في ذلك المحلِّ، وإنْ لم يُصَرِّحْ به" (١).

ونَقَلَ إمامُ الحرمين الجويني عن الإمامِ الشافعي ما يقررُ اعتبارَ معرفةِ المجتهدِ لمقاصدِ الشريعةِ، يقولُ إمامُ الحرمين: "ذَكَرَ الشافعيُّ في: (الرسالة) ترتيبًا حسنًا، فقالَ: إذا وقعتْ واقعةٌ، فأحْوجَ المجتهد إلى طلب الحُكم فيها؛ فينظرُ أولًا في: نصوصِ الكتابِ، فإنْ وَجَدَ مَسْلَكًا دالًا على الحُكمِ، فهو المراد ... فإنْ عَدِمَ المطلوبَ في هذه الدرجاتِ، لم يخضْ في القياسِ بَعْدُ، ولكنَّه ينظرُ في كلياتِ الشرعِ، ومصالحها العامّةِ" (٢).

دليلُ اعتبار معرفةِ مقاصدِ الشريعةِ مِنْ شروطِ الاجتهادِ: أنَّ الشريعةَ مبنيةٌ على اعتبارِ المصالحِ، والمصالحُ إنَّما اعتُبِرَتْ؛ لأنَّ الشرعَ بيَّن أنَّها مصالح - وإدراكُ المكلّفِ للمصالحِ يختلفُ باختلافِ الأوقاتِ والأحوالِ - وإذا كانت المصالحُ المعتبرةُ هي المصالحَ التي قرّرها الشارعُ، كان لزامًا على المجتهدِ أنْ يفهمَ عن الشارعِ قصدَه في كلِّ مسألةٍ مِنْ مسائلِ الشرعِ؛ لتتحققَ له معرفةُ الحِكمِ والغاياتِ مِن الشريعةِ، فيَضْبِط اجتهادَه في ضوئِها (٣).

وقد تَبعَ أبا إسحاقَ الشاطبيَّ في اعتبارِ معرفةِ مقاصدِ الشريعةِ شرطًا لبلوغِ درجةِ الاجتهادِ جمعٌ مِن المتأخرين، منهم: الشيخُ الطاهرُ بنُ عاشور (٤)، والشيخُ محمدٌ أبو زهرة (٥)، والدكتورُ الطيبُ خضري السيد (٦)،


(١) الإبهاج في شرح المنهاج (٢/ ١٧ - ١٨).
(٢) البرهان (٢/ ٨٧٤ - ٨٧٥)، ولم أقف على كلام الإمام الشافعي في: (الرسالة)، ولعله في (الرسالة) القديمة.
(٣) انظر: الموافقات (٥/ ٤٢ - ٤٣).
(٤) انظر: مقاصد الشريعة (٣/ ٤٠ - ٤١).
(٥) انظر: أصول الفقه (ص/ ٣٨٦).
(٦) انظر: الاجتهاد فيما لا نص فيه (١/ ٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>