للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يحدّدُ بُعْدَ المأخذِ عن الصوابِ، أو قربِه منه هم محققو المذهبِ، ممَّنْ لهم مزيدُ عنايةٍ وبَصَرٍ بأقوالِ إمامِهم، ومعرفة مآخذِها وعللها المنصوصة، الأمر الذي يساعدُهم في معرفةِ المآخذِ المسكوتِ عنها.

يقولُ ابنُ رجبٍ: "مَنْ تأمّلَ كلامَه - أي: كلام الإمام أحمد - في الفقه، وفَهِم مأخذَه ومدركه فيه، عَلِمَ قوةَ فهمِه، واستنباطِه.

ولدقَّة كلامِه في ذلك، رُبَّما صَعُب فهمُه على كثيرٍ مِنْ أئمةِ أهلِ التصنيفِ ممَّنْ هو على مذهبِه، فيَعْدِلون عن مآخذِه الدقيقةِ إلى مآخذ أخر ضعيفة، يتلقّونها عن غيرِ أهلِ مذهبِه، ويَقَعُ بسببِ ذلك خللٌ كثيرٌ في فهمِ كلامِه، وحملِه على غيرِ محاملِه" (١).

الصورة الثامنة: بناءُ فرعٍ مذهبي على غيرِ قاعدتِه.

يوجد في مدوّناتِ المذاهبِ الفقهيةِ فروعٌ فقهيةٌ لم تُحددْ قواعدُها الأصوليةُ التي يمكن إدراجها تحتها، وقد يجتهدُ بعضُ أرباب المذهبِ في رَدَّ الفروعِ إلى قواعدِها الأصوليةِ، ويأتي الخطأُ في نقلِ المَذهب إلى مَنْ يَرُدّ الفرعَ المذهبيَّ إلى غيرِ قاعدِته، فليس الخطأُ في حكمِ الفَرعِ؛ لأنَّ حكمَه معلومٌ، بل الخطأ في بنائه على غيرِ أصلِه.

مثال ذلك:

المثال الأول: ذَكَرَ ابنُ اللحامِ فروعًا فقهيةً مخرَّجةً على مسألةِ: (هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟ )، فقال: "منها: المرتدُّ إذا أسلمَ، فهلْ يلزمُه قضاءُ ما تَرَكَ مِنْ العباداتِ زَمَنَ الردةِ؟ على روايتين: المذهبُ: عدمُ اللزومِ. بناهما ابنُ الصيرفي (٢)، والطوفيُّ على القاعدةِ، وليس بناءً جيدًا مِنْ وجهين:


(١) المصدر السابق.
(٢) هو: يحيى بن أبي منصور بن أبي الفتح بن رافع بن علي بن إبراهيم الحراني، جمال الدين أبو زكريا، يعرف بابن الصيرفي، وبابن الحُبَيْشي، ولد بحران سنة ٥٨٣ هـ رحل إلى دمشق وإلى =

<<  <  ج: ص:  >  >>