للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعجبُ أنْ يحققَ العالمُ درجةَ عالية في الأصول، ويكتفي في الفروعِ بأدنى درجاتِ التمذهبِ.

وكما قلتُ في القسم الأولِ: إِنَّ التمذهبَ في الأصولِ لا يعني عدمَ الخروجِ عنْ المذهب مطلقًا، بلْ إِنَّ خروجَ المتمذهب عن مذهبِ إِمامِه في بعضِ المسائلِ لمقتَضى الدليلِ لا ينافي التمذهبَ، فكذا القولُ في شأنِ التمذهبِ في الفروعِ.

ويمكنُ أنْ يُمَثّلَ لهذا القسمِ بأبي إِسحاقَ الشاطبي؛ فإِنَّ أبا إِسحاقَ على جلالةِ قدرِه في الأصولِ، وسعةِ علمِه فيه، وإبداعِه في عرضِ مسائلِه، إِلَّا أنَّه في الفروعِ لا يُفتي الناسَ إِلَّا بالمشهورِ مِنْ مذهبِ الإِمامِ مالكٍ (١).

القسم الثالث: التمذهب في الأصول والفروع.

قد يكونُ التمذهبُ في الأصولِ والفروعِ معًا، وذلك بأنْ يكونَ المتمذهبُ ملتزمًا بمذهبِ إِمامِه في أصولِه وفروعِه.

ويمكنُ أنْ يمثلَ لهذا القسمِ بأربابِ التخريجِ الذين يقومون بقياسِ ما لم ينصَّ عليه إِمامُهم بما نصَّ عليه؛ فإِنَّهم في الجملةِ متمذهبون في الأصولِ والفروعِ.

ثانيًا: أقسام التمذهب باعتبار درجة الالتزام بالمذهب:

ينقسمُ التمذهبُ باعتبارِ درجةِ الالتزامِ بالمذهبِ إِلى قسمين:

القسم الأول: التمذهبُ في جميعِ المسائلِ، أو أغلبِها.

يرتبطُ التمذهبُ بالالتزامِ بالمذهبِ ارتباطًا وثيقًا؛ إِذْ به تَتَحَقّقُ حقيقةُ التمذهبِ، ولذا فإِنَّ التمذهبَ قد يكونُ بالالتزامِ بالمذهبِ في جميعِ


(١) يقول أبو إِسحاقَ الشاطبيُّ - كما نقل الونشريسيُّ كلامَه في: المعيار المعرب (٩/ ٢٢٩) -: "وأنا لا أستحل - إِنْ شاءَ الله - في دين الله وأمانته أنْ أجد قولين في المذهب، فأفتي بأحدهما على التخيير، مع أنِّي مقلد؛ بل أتحرى ما هو المشهور والمعمول به، فهو الَّذي أذكره للمستفتي، ولا أتعرض له إِلى القول الآخر، فإنْ أشكل عليَّ المشهور، ولم أرَ لأحدٍ من الشيوخ في أحد القولين ترجيحًا، توقفت".

<<  <  ج: ص:  >  >>