للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحديثِ" (١).

ويقول الشيخُ محمدٌ أبو زهرة: "اختلفت الآراءُ الفقهيةُ، وتكوَّنتْ مِنْ هذا الاختلافِ مدارس فقهيةٌ، ثم تَبَلْوَرَت المدارسُ، فصارتْ مذاهبَ فقهية" (٢).

وسأتحدثُ في هذا المطلب عن هاتينِ المدرستينِ بحديثٍ موجزٍ - تاركًا بعضَ الأمورِ المتعلقةِ بهما، وعلى وجهِ الخصوصِ النقد الموجّه إلى مدرسةِ الرأي (٣) - لأنَّ المذاهبَ الفقهيةَ - والمتبوعةَ منها على وجهِ الخصوصِ - قد نَشَأَتْ عن هاتينِ المدرستينِ.

وكما أسلفتُ في المطلبِ السابقِ، فإنَّ منبعَ المدرستينِ الفقهيتينِ ونواتَهما كانتْ مِنْ أقوالِ الصحابةِ - رضي الله عنهم -، ومِنْ منهجِهم في معالجةِ النوازلِ، ومِنْ أقوالِ تلامذتِهم ومنهجِهم في دراسةِ النوازلِ (٤)؛ إذ الصحابةُ - رضي الله عنهم - تفرقوا في الأمصارِ، فاشتغلتْ طائفةٌ منهم بالعِلم ونَشرِه، فكان لها طلاب عُنوا بأقوالِهم (٥) - كما سبقت الإشارةُ إليه في كلامِ علي بنِ المديني في المطلب السابقِ - وتولّوا الإفتاءَ بعدهم (٦)، ونتَجَ عن هذا تعددُ اتجاهاتِ العلماءِ (٧)، فَظَهَرَتْ بوادرُ اتجاهين:

الاتجاه الأول: الوقوفُ مع النصّ الشرعي في حدودِه المبينة، دونَ التوغّلِ في علتِه وبواعثِه.


(١) الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة (ص/ ٢٨).
(٢) تاريخ المذاهب الإسلامية (ص/ ٣٠١).
(٣) انظر على سبيل المثال: تأويل مختلف الحديث لابن قتببة (ص/ ١٣٠ وما بعدها).
(٤) انظر: الفقه الإسلامي ومدارسه لمصطفى الزرقا (ص/ ٥٣)، ودراسة تاريخية للفقه وأصوله للدكتور مصطفى الخن (ص/ ٧٥)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور رمضان الشرنباصي (ص/ ٧٣).
(٥) انظر: أصول الفقه لمحمد أبو زهرة (ص/ ١١)، ومناهج الاجتهاد في الإسلام للدكتور محمد مدكور (ص/ ٣٥)، والمذاهب الفقهية الإسلامية لمحمد تاجا (ص/ ٥٦)، والمدخل لدراسة الفقه الإسلامي للدكتور إبراهيم إبراهيم (ص/ ٨٥).
(٦) انظر: أصول الفقه لمحمد أبو زهرة (ص/ ١١).
(٧) انظر: الاجتهاد والتقليد للدكتور محمد الدسوقي (ص/ ١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>