للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد انتشرَ تقيّدُ أربابِ المذاهب في هذه الحُقبِ الزمنيةِ بمذاهبِهم، فلا يحيدون عنها، وقد حكىَ شمسُ الدين الذهبي (ت: ٧٤٨ هـ) أنَّ أكثرَ علماءِ زمانِه متقيدون بمذاهبِهم (١).

وممَّا يُؤَكّدُ انتشار الصبغة المذهبية في هذه القرونِ أنَّ عددًا مِن المتمذهبين مَنَعُوا التلفيقَ بين المذاهبِ، وأَوْجَبَتْ طائفة منهم التمذهبَ بمذهبِ إمامِهم (٢).

وقد ازدادَ في هذه القرونِ التعصبُ للمذاهب الفقهيةِ بصورةٍ أشدّ مما كانت عليه مِنْ قبلُ (٣).

ويصف الحافظ ابنُ رجبٍ (ت: ٧٩٥ هـ) حالَ أكثرِ الناسِ في زمنِه بأنَّهم لم يبلغوا الغايةَ في العلمِ، ولا ارتقوا إليها، وما زالوا في بدءِ أمرِهم، مع ادِّعاء كثيرٍ منهم الوصولَ إلى الغاياتِ، والانتهاءَ مِن النهاياتِ (٤).

وقد أوضحَ ابنُ خَلدون (ت: ٨٠٨ هـ) أن حالَ محصِّلي الفقه في عصرِه أمسى في نقلِ المذاهبِ، والعملِ بمذهبِ إمامِهم (٥).

ويقولُ الشيخُ مصطفى الزرقا عن هذه القرونِ: "ففي هذا العصرِ سادَ الفكرُ التقليديُّ المغلقُ، وانصَرَفَت الأفكارُ عن تَلَمّسِ العللِ والمقاصدِ الشرعيةِ في فقهِ الأحكامِ إلى الحفظِ الجافِّ، والاكتفاءِ بتقبّلِ كلِّ ما في الكتبِ المذهبيةِ، دونَ مناقشةٍ" (٦).


(١) انظر: سير أعلام النبلاء (١٤/ ٤٩١).
(٢) انظر: مقدمة ابن خَلدون (٣/ ١٠٥١)، والاجتهاد والتقليد للدكتور محمد الدسوقي (ص/٢٢١).
(٣) انظر: إيقاظ همم أولي الأبصار للفلاني (ص/ ١٩٣ وما بعدها) ط/ دار الفتح، والبدر الطالع للشوكاني (ص / ٦٥٠)، وأدب الطلب له (ص/ ١٣٨)، وإمام الكلام للكنوي (ص/ ٣٦)، والفوائد البهية له (ص/ ٦٥ - ٦٦).
(٤) انظر: الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة (ص/ ٣٩).
(٥) انظر: مقدمة ابن خَلدون (٣/ ١٠٥١).
(٦) المدخل الفقهي العام (١/ ٢١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>