للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مناقشة الدليل الثاني، نوقش الدليل من أربعة أوجه:

الوجه الأول: ليس مرادُ إِمامِ الحرمين الجويني بالإِجماعِ الَّذي حكاه الإِجماعَ الَّذي هو حجةٌ، بلْ مرادُه ما يكون مختارًا عند أحدٍ مِن العلماءِ، وتكون الجماعة متفقة عليه، فيقالُ عنه: أَجَمعَ المحققونَ على كذا.

ويدلُّ على هذا: أنَّ هناك إِجماعًا على خلافِ ما ذكره إِمامُ الحرمين - كما سيأتي بعد قليل - فلئلا نَقَعَ في مخالفةِ إِجماعٍ سابقٍ، أَوَّلنا ما ذكره إِمامُ الحرمينِ الجويني (١).

الوجه الثاني: لا يلزمُ مِنْ سَبْرِ الأئمةِ الأربعةِ مذاهبَهم وجوبُ أخذِها؛ لأنَّا لو قلنا بهذا، للزمَ الأخذُ بمذاهبِ مَنْ بعد الأئمةِ الأربعةِ؛ لأنَّه وُجدَ فيمَنْ بعدهم مَنْ جَمَعَ سَبْرًا أكثر منهم (٢).

الوجه الثالث: أنَّ التبويبَ وذكرَ أوضاعِ المسائلِ لا مدخلَ له في التقليدِ، فكيفَ نمنعُ تقليدَ الصحابةِ؛ لأنّضهم لم يُبَوَّبوا؟ ! (٣).

ويمكن الجواب عن الوجه الثالث: بأن للتبويبِ وذكرِ أوضاعِ المسائلِ أثرًا في التمذهبِ بمذهب الصحابي والتابعي؛ إِذ إِنَّه يقرِّبُ التمذهبَ، ويُيسر الالتزامَ بالمذهبِ، ولعَلَّ ما ذكره إِمامُ الحرمين مِن الإِشارةِ إِلى التبويبِ وذكرِ المسائلِ قرينةٌ دالةٌ على إِرادتِه بالإِجماعِ الَّذي حكاه الإِجماع على منعِ التمذهبِ بمذهبِ الصحابي، لا مطلق تقليدِه.

الوجه الرابع: يبطلُ الإِجماعُ المذكورُ في الدليل بإِجماعين سابقين، وهما:

الأول: إِجماعُ العلماءِ على أنَّ مَنْ أسلمَ، فله أنْ يقلِّد مَنْ شاءَ مِن العلماءِ.


(١) انظر: فواتح الرحموت (٢/ ٤٠٧).
(٢) انظر: البحر المحيط (٦/ ٢٨٩)، والتقرير والتحبير (٣/ ٣٥٤).
(٣) انظر: فواتح الرحموت (٢/ ٤٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>