للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المذهبِ الظاهري (١)، وفي هذا إشارةٌ إمَّا إلى عدمِ جوازِ التمذهبِ به، وإمَّا إلى أن الأَوْلى عدم التمذهبِ به.

سادسًا: لا أستطيعُ القول بمنعِ التمذهب بالمذهب الظاهري، ولا سيما لمَنْ كان على مذهب ما، ثمَّ انتقلَ إليه؛ لأنِّي لم أطَلع على مَنْ مَنَعَ صراحةً التمذهبَ به (٢)، ولأنَّ الآخذَ بأصولِ الظاهريةِ أَخَذَها مع قناعتِه برجحانِها، ومَنْ أرادَ أنْ يحذرَ مِنْ أقوالِ المذهبِ الظاهري، فعليه البيانُ بالحجّةِ والبرهانِ.

ويؤكّدُ ما سَبَقَ: أنَّه على الرُّغم مِنْ أن المذهبَ الظاهري كان موجودًا عقودًا مِن الزمنِ، فإنَّه لم ينصَّ أحدٌ في عصرٍ متقدمٍ على مَنعِ التمذهبِ به.

يقولُ شمسُ الدّينِ الذهبي معلّقًا على قولِ إمامِ الحرمين الجويني لما قررَ عدمَ الاعتدادِ بالظاهريةِ، وألحقهم بالعوام: "وندري بالضرورةِ أنَّ داود كان يُقْرِئ مذهبَه، ويناظرُ عليه، ويفتي به في مثلِ بغدادَ، وكَثُرَ الأئمةُ بها وبغيرِها، فلم نَرَهم قاموا عليه، ولا أنكروا فتاويه، ولا تدريسه، ولا سَعَوْا في منعِه مِنْ بثِّه" (٣).

سابعًا: الأَوْلى بالشخصِ أنْ لا يتمذهبَ بالمذهبِ الظاهري؛ وذلك للأمرينِ الآتيينِ:

الأمر الأول: أنَّ مِنْ أصول الظاهريةِ القولَ بعدمِ مشروعيةِ القياسِ، وترك تعليلِ نصوصِ الكتابِ والسنةِ، وعدمِ الاحتجاجِ بالمصالحِ


(١) انظر: الفصول في الأصول للجصاص (٤/ ٢٩٧)، وشرح صحيح البخاري لابن بطال (١/ ٣٥٢)، والعواصم من القواصم لابن العربي (ص/ ٢٥٧)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي (١/ ٥٤٣)، والتعيين في شرح الأربعين للطوفي (ص/ ٤٤)، وطبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين بن السبكي (٢/ ٢٨٩)، والبحر المحيط (٤/ ٤٢٧).
(٢) الذي وقفت عليه منع أبي إسحاق الإسفراييني تولية الظاهرية القضاءَ بين الناس. انظر: سير أعلام النبلاء (١٣/ ١٠٤).
(٣) المصدر السابق (١٣/ ١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>