للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سأُبيّنُ الحكمَ هنا في النقاطِ الآتيةِ:

الأولى: المتمذهب الذي لم تجتمع فيه شروطُ الاجتهاد، ليس له ادّعاء مرتبته؛ لفقدِه شروطه.

الثانية: إذا اجتمعتْ شروطُ الاجتهادِ في الشخصِ المتمذهب، فإنَّ الواجبَ عليه تركُ التمذهبِ، والانتقالُ إلى الاجتهادِ، وعلى هذا الأمَر كثيرٌ مِن المتمذهبين الذين بلغوا رتبةَ الاجتهادِ المطلق (١).

ولعل مِنْ أبرز مَنْ ادَّعى بلوغ رتبة الاجتهادِ المطلقِ المنتسب إلى مذهب معيّنٍ، ونَفَى عن نفسِه بلوغَ درجةِ الاجتهادِ المستقلِّ: جلالُ الدينَ السيوطي، إذ يقولُ: "وإنَّما جاءَ الغلطُ لأهلِ عصرنا مِنْ ظنّهم ترادف المطلق والمستقل، وليس كذلك ... والذي ادعيناه هو الاجتهاد المطلق، لا الاستقلال، بلْ نحنُ تابعون للإمامِ الشافعي - رضي الله عنه -، وسالكون طريقَه في الاجتهادِ؛ امتثالًا لأمرِه، ومعدودون مِنْ أصحابِه، وكيفَ يُظَنُّ أنَّ اجتهادَنا مقيّدٌ؟ ! والمجتهدُ المقيّدُ إنَّما ينقصُ عن المطلقِ بإخلالِه بالحديثِ والعربيةِ، وليس على وجهِ الأرضِ مِنْ مشرقِها إلى مغربِها أعلم بالحديثِ والعربيةِ منّي! " (٢).

الثالثة: لو قيل: إنَّ الأَولى بالمتمذهب الذي لديه القدرةُ على تحصيلِ شروطِ الاجتهادِ، أنْ يكون قصدُه في سلوكِ التمذهبِ بلوغَ درجةِ الاجتهادِ في الشريعةِ، لكان قولًا جيّدًا.

الرابعة: لا يعني ما تقدم آنفًا أنَّ الاجتهادَ ميسورٌ لكلّ شخصٍ أراد بلوغه، بل له شروطٌ متعددةٌ، يتعين اتصافُ الشخصِ بها؛ ليوصفَ بالاجتهاد (٣).


(١) انظر: العزيز شرح الوجيز للرافعي (١٢/ ٤٣٣)، وأدب المفتي والمستفتي (ص/ ٩٢).
(٢) الرد على من أخلد إلى الأرض (ص/ ٩٨)، وفي النصِّ تصحيفات صححتها من طبعة دار الكتب العلمية التي حققها الشيخ خليل الميس (ص/١٦).
(٣) انظر: شرح الكوكب الساطع للسيوطي (٤/ ١٢٣). وقارن بالعواصم والقواصم لابن الوزير (١/ ٢٧٢ وما بعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>